يقول السائل: جرت العادة عندنا في يوم الجمعة وقبل أن يبدأ الخطيب بخطبة الجمعة أن يقوم المؤذن ويذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) فما معنى لغوت وهل الكلام أثناء الخطبة مبطل للصلاة أم لا؟
الجواب: إن الحديث المذكور في السؤال حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولا شك أن كثيراً من المصلين لا يلتزمون بما يدل عليه الحديث الشريف فتراهم يتكلمون والإمام يخطب وينبغي أن يعلم أن جمهور الفقهاء قالوا بحرمة الكلام أثناء خطبتي الجمعة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي وغيرهم، واستدلوا بما يلي: أولاً: بالحديث المذكور في السؤال ومعنى (لغوت) الواردة في الحديث جئت بأمر باطل، وقال بعض العلماء:[لغوت: أي بطلت فضيلة جمعتك. وقيل: خبت من الأجر. وقيل: صارت جمعتك ظهراً وقيل: غير ذلك] . ثانياً: عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة " براءة " فقلت لأبي: متى نزلت هذه السور؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت لأبيّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أبيّ: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة فسألته متى نزلت هذه السورة، فتجهمني ولم يكلمني ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبيّ) . ومعنى تجهمني: قطب جبينه وعبس ونظر إلي مغضباً، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وقل الشيخ الألباني: صحيح. ثالثاً: عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي قول له أنصت ليست له جمعة) رواه أحمد وقال الحافظ ابن حجر: إسناده لا بأس به. رابعاً: روي في الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ومن قال: صه، فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له. ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد وأبو داود. وغير ذلك من الأحاديث والآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم. وخلاصة ما تدل عليه هذه الأحادث هو تحريم الكلام اثناء خطبتي الجمعة ووجوب الإنصات كما هو مذهب جمهور الفقهاء ولكن صلاة من تكلم أثناء الخطبتين مجزئة ولكن أجر جمعته قد بطل ولم ينل فضيلة الجمعة. ومن العلماء من يرى أن من يتكلم أثناء الخطبتين تصير جمعته ظهراً ولا تُحسب له جمعة واحتجوا بما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة ما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) رواه أبو داود وابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن.
ويجب أن يعلم أن قيام المؤذن بذكر الحديث الوارد في السؤال قبل أن يبدأ الخطيب بالخطبة بدعة لا أصل لها في الشرع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال الحديث ولا ريب ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بلالاً ولا غيره من المؤذنين أن ينادي بالحديث قبل بدء الخطبة، فهذا أمر غير مشروع لأن الأصل في العبادات هو التوقيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرع في خطبتي الجمعة بعد انتهاء المؤذن من الأذان وما كان أحد ينادي بهذا الحديث فالواجب ترك ذكر هذا الحديث بين يدي خطيب الجمعة وذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. *****