[٣٢ - أحاديث في شهر الصيام]
هنالك أحاديث يكثر ترديدها في شهر رمضان المبارك على ألسنة الوعاظ والخطباء وهي منتشرة وشائعة وتكرر السؤال عنها فرغبت في ذكرها وبيان ما قاله أهل الحديث في الحكم عليها وهذه الأحاديث هي:
الحديث الأول: عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال: (يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء.
قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون اله الجنة وتعوذون به من النار ومن أسقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة)
قال الحافظ المنذري: رواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال: إن صح الخبر ورواه من طريقه البيهقي.
ثم ذكر المنذري رواية أخرى للحديث وقال: [وفي أسانيدهم علي بن زيد بن جدعان] الترغيب والترهيب ٢/٢٤-٢٥.
وعلي بن زيد ضعيف ضعفه جماعة من أهل الحديث، قال الحافظ ابن حجر: [مداره - أي الحديث على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ويوسف بن زياد الراوي عنه ضعيف جداً] نقل كلام الحافظ محقق شعب الإيمان ٣/٣٠٥.
وقال الشيخ الألباني عن الحديث السابق إنه منكر. سلسلة الأحاديث الضعيفة ٢/٢٦٣.
الحديث الثاني: (صوموا تصحوا) .
قال الزبيدي: [قال العراقي رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف] إتحاف السادة المتقين ٧/٤٠١.
فالحديث ضعيف وممن ضعفه أيضاً الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ١/٢٧٧، وفي ضعيف الجامع الصغير أيضاً ص ٥١٢.
وقد اعتبر الإمام الصاغاني الحديث من الأحاديث الموضوعة كما في رسالته في الأحاديث الموضوعة ص ١٠٤.
وأنظر أيضاً المقاصد الحسنة ص ٢٣٦ كشف الخفاء ١/٤٤٥، تمييز الطيب من الخبيث ص ١٤٦.
الحديث الثالث: عن أبي مسعود الغفاري رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأهلَّ رمضان فقال:
لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان. فقال رجل من خزاعة: يا نبي الله حدثناّ. فقال: إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق أشجار الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن: يا ربنا! اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا. قال: فما من عبد يصوم يوماً من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة كما نعت الله عز وجلّ: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) " الرحمن ٧٢ " على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى وتعطى سبعين لوناً من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لم يجد لأوله ولكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشاً بطائنها من استبرق فوق كل فراش سبعون أريكة ويعطي زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحاً بالدر عليه سواران من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات) رواه ابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الكبير وغيرهم وهو حديث موضوع أي مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم كما قرر ذلك أهل الحديث وقد ذكره في الموضوعات ابن الجوزي والشوكاني وغيرهما. انظر الفوائد المجموعة ص ٨٨، الترغيب والترهيب ٢/٣١-٣٢.
الحديث الرابع: حديث: (يوم صومكم يوم نحركم يوم رأس سنتكم) .
قال الإمام أحمد لا أصل له، وذكره في الموضوعات ابن الصلاح وابن عراق وملا علي القاري
وابن القيم وغيرهم. انظر المنار المنيف ص ١٢٤، المقاصد الحسنة ص ٤٨٠، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص ٢١٩، تمييز الطيب من الخبيث ص ٣١٣.
الحديث الخامس: حديث: (السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس، قريب من النار وجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) رواه الترمذي وضعفه ورواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
وقد عده الشيخ ابن الجوزي في الموضوعات وكذلك ابن القيم، وقال الشيخ الألباني: ضعيف جداً.
وقال الحافظ أبو حاتم هذا حديث منكر، وقال أيضا عن رواية أخرى للحديث هذا حديث باطل. انظر السلسلة الضعيفة ١/١٨٤-١٨٥، المنار المنيف ص ٢٦.
وأخيراً ينبغي التنبيه على أن في صحيح السنة النبوية وحسنها ما يغني عن ذكر هذه الأحاديث الموضوعة والواهية وينبغي على الخطباء والوعاظ أن يعتنوا عناية خاصة بالأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم وأن يراجعوا كلام أهل الحديث عليها حتى لا يقعوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقصدون أو لا يقصدون فإن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على سواه.