سألني الشيخ رائد إمام مسجد عثمان بن عفان في قرية كفر برا عن الأحكام المتعلقة بالجمع بين الصلاتين بسبب المطر وطلب توضيح هذه الأحكام بالتفصيل وأفاد بأن أئمة المساجد يتساهلون في الجمع فيجمعون بدون سبب شرعي معتبر؟
الجواب: إن الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية ١٠٣. ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة. والجمع بين الصلاتين رخصة حيث وجدت أسبابها. وإن من المؤسف أن بعض أئمة المساجد وكذا بعض عامة الناس يتساهلون في الجمع بين الصلاتين بسبب المطر فنرى بعضهم يجمع بدون سبب موجب كأن يكون المطر صباحاً فيجمع الإمام بين المغرب والعشاء وكذلك يجمعون بين الظهر والعصر ثم ينطلقون إلى أعمالهم وأسواقهم ولا يمنعهم المطر عنها وإنما منعهم عن الصلاة فقط. ومثل هذا التساهل جمع المنفرد في بيته بين الصلاتين بسبب المطر كما يزعمون ونحو ذلك من التساهل في هذه العبادة المؤقتة بمواقيت معروفة وثابتة. وقد أجاز جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة الجمع بين الصلاتين بسبب المطر على تفصيل عندهم أوضحه بما يلي: الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب المطر أجازه الشافعية في القول المعتمد عندهم ومنعه المالكية والحنابلة. والجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر أجازه المالكية والشافعية والحنابلة والأدلة في الجمع بين المغرب والعشاء أقوى منها في الجمع بين الظهر والعصر ومن المعلوم أن لا جمع عند الحنفية إلا في عرفة ومزدلفة فقط. وعلى كل حال فإن الجمع بين الصلاتين للمطر عند القائلين به هو رخصة شرعية مقيدة بسبب وهو المطر فلا بد من التقيد بذلك ومن المعلوم أن هذه الرخصة شرعت من أجل دفع الحرج والمشقة عن المصلين لتحصيل صلاة الجماعة. وعليه فمن أخذ برأي العلماء القائلين بالجمع بين الصلوات للمطر فلا بد أن يلتزم بما قرره هؤلاء العلماء من سبب لهذا الجمع. فالشافعية الذين يقولون بالجمع بين الظهر والعصر للمطر وكذا المغرب والعشاء نصوا على أن سبب الجمع وجود مطر يبل الثياب ولا يجمع لأجل مطر لا يبل الثياب. انظر المجموع٤/٣٨١. وقال الشيخ ابن عثيمين:[قوله المطر يبل الثياب يعني إذا كان هناك مطر يل الثياب لكثرته وغزارته فإنه يجوز الجمع بين العشائين فإن كان المطر قليلاً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة بخلاف الذي يبل الثياب ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل ومشقة أخرى من جهة البرد ولا سيما إذا انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة] الشرح الممتع ٤/٥٥٥. كما أن العلماء القائلين بالجمع للمطر نصوا على وجود العذر وهو المطر عند الإحرام بالصلاة الأولى ومنهم من اعتبره حال الإحرام بالثانية أيضاً قال الإمام الشافعي:[ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها] الأم ١/٩٥. وقال الإمام النووي:[ويشترط وجود المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب] المجموع ٤/٣٨٢. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ومتى جمع في وقت الأولى اعتبر وجود العذر المبيح حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع] المغني ٢/٢٠٧. وقد نص العلماء القائلون بالجمع للمطر على أن الجمع رخصة لمن يصلي في المسجد جماعة وهذا قول المالكية والشافعية وقول عند الحنابلة وعليه لا يجوز الجمع للمنفرد الذي يصلي في بيته. قال الإمام الشافعي:[ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد يجمع فيه قرب المسجد أو كثر أهله أو قلوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم ١/٩٥. وانظر الجمع بين الصلاتين في المطر ص٢٢٦. وعلل ذلك الماوردي بأن الجمع يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع. الحاوي الكبير ٢/٣٩٩. وقال الإمام النووي:[قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع ٤/٣٨١. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية ما نصه:[المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع المطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة ٨/١٣٥. وهذا هو الموافق للحكمة من مشروعية الجمع وهي رفع الحرج ودفع المشقة عمن يصلي في المسجد فأي حرج أو مشقة في حق من صلى في بيته؟ وأخيراً أنبه على بعض الأحكام المتعلقة بالجمع: ١. لا يشترط تقدم نية الجمع على الراجح من أقوال العلماء ولا يشترط للجمع أن يخبر الإمام المأمومين أنه يجمع فإن أخبرهم فحسن. ٢. إذا جمعوا بين المغرب والعشاء فإنهم يصلون سنة المغرب بعد انتهائهم من الجمع ثم يصلون سنة العشاء ولهم أن يصلوا الوتر أيضاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة الثانية ويوتر قبل دخول وقت الثانية لأن سنتها تابعة لها فتتبعها في فعلها ووقتها والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته] المغني ٢/٢٠٧. وقال الإمام النووي في كيفية صلاة سنة الظهر والعصر إذا جمع بينهما:[والصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر] روضة الطالبين ١/٥٠٣. ٣. إن حضر المصلي إلى المسجد فوجدهم في صلاة العشاء وهو لم يصلِ المغرب فيدخل معهم بنية صلاة المغرب فإذا قام الإمام إلى الرابعة فالمأموم مخير بين حالين إما أن ينوي المفارقة فيسلم وإما أن يبقى جالساً منتظراً الإمام حتى يتم فيسلم معه والانتظار أفضل كما قال الإمام النووي في المجموع ٤/٢٧٠. وأخيراً أنبه على أن كثيراً من أهل العلم يرون أن ترك الجمع أفضل وأولى بسبب خلاف من رأى عدم جواز الجمع. قال الإمام النووي:[وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوِّزونه. وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي وصاحب التتمة. قال الغزالي في البسيط: لا خلاف أن ترك الجمع أفضل] روضة الطالبين ١/٥٠٥. وقال ابن مفلح:[وتركه أفضل] الفروع ٢/٦٨. وقال المرداوي: [يؤخذ من قول المصنف " ويجوز الجمع " أنه ليس بمستحب وهو كذلك بل تركه أفضل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب] الإنصاف ٢/٣٣٤.
وخلاصة الأمر فإني أنصح أئمة المساجد بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع لأنه قد يوقع في معصية ألا وهي الجمع بين الصلاتين بدون عذر وقد ورد في بعض الآثار عن عمر رضي الله عنه أنه قال:[الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر] رواه البيهقي وذكر أنه مرسل ثم روى بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل له: ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر رضي الله عنه فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً] ٣/١٦٩. وقوى الأثرين صاحب الجوهر النقي.