للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٠٣ - وجوب الطمأنينة وتعديل الأركان في الصلاة]

يقول السائل: نشاهد بعض المصلين الذين يستعجلون في صلاتهم ولا يتمون ركوعها ولا سجودها، فما حكم صلاتهم، أفيدونا؟

الجواب: الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة وهي ميزان لأعمال المسلم، فإن صلحت صلحت سائر أعماله وإن فسدت فسدت سائر أعماله، كما ثبت في الحديث عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، قال فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك) رواه الترمذي وحسنه، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/١٣٠. وجاء في رواية أخرى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن أكملها كتبت له نافلة، فإن لم يكن أكملها يقول الله سبحانه لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ١/٢٤١. والانتقاص من الصلاة كما يكون بتأخيرها عن وقتها، يكون أيضاً بعدم إكمال أركانها وواجباتها، كمن لا يتم الركوع، وكمن لا يقيم صلبه عند الرفع منه، وكمن لا يتم السجود فينقره نقر الديك، وكمن لا يتم الرفع بين السجدتين، فالمطلوب من المصلي الطمأنينة في صلاته وهو ما يسميه بعض الفقهاء بتعديل الأركان في الصلاة، وهو فرض على الصحيح من أقوال أهل العلم، وعلى ذلك دلت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها الحديث المشهور بحديث المسيء صلاته وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في ناحية المسجد، فصلَّى ثم جاء فسلَّم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلَّى ثم جاء فسلَّم فقال: وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلَّى ثم جاء فسلَّم فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال في الثانية أو في التي تليها علمني يا رسول الله، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ، وفي رواية (ثم ارفع حتى تستوي قائماً) يعني من السجدة الثانية، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لأبي داود (فإذا فعلت ذلك فقد تمَّت صلاتك، وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك) وهي رواية صحيحة كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب ١/١٢٩. وقد أخذ جمهور أهل العلم من هذا الحديث وجوب الطمأنينة أو تعديل الأركان في الصلاة، فقوله صلى الله عليه وسلم (اركع حتى تطمئن راكعاً) ، وقوله (ارفع حتى تستوي قائماً) ، وقوله (اسجد حتى تطمئن ساجداً) ، وقوله (ارفع حتى تطمئن جالساً) ، وقوله (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ، وقوله كما في الرواية الأخرى (فإذا فعلت ذلك فقد تمَّت صلاتك، وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك) ، أقوى دليلٍ على وجوب الطمأنينة. وقد اختلف الفقهاء في حدِّ الطمأنينة، والأصح أنها سكون بعد حركة بمقدار قول المصلي (سبحان الله) مرةً واحدةً بشكلٍ معتدلٍ، قال الإمام النووي: [وتجب الطمأنينة في الركوع بلا خلافٍ لحديث المسيء صلاته، وأقلها أن يمكث في هيئة الركوع حتى تستقر أعضاؤُه وتنفصل حركة هويهِ عن ارتفاعه من الركوع.] المجموع ٣/٤٠٨-٤٠٩. وقال شيخنا محمد المختار الشنقيطي: [الطمأنينة: هي الوقت الكافي الذي يصدق به تحصيل الركن، ففي القيام لا إشكال أنه سيقرأ الفاتحة فيحصِّل الطمأنينة المعتبرة، فإن وقت قراءة الفاتحة قدرٌ للطمأنينة. لكن بحث العلماء في الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع من الركوع والرفع من السجود. أولها: إذا ركع، لأنه في القيام سينشغل بالقراءة، فلو ركع فإن الواجب عليه تسبيحة واحدة، فإذا ركع ثم رفع مباشرة ولو قال: سبحان ربي العظيم اختطافاً، فإنه حينئذ لا يُجزيه هذا الركوع؛ لأنه لم يطمئن، وهذا هو الذي وقع من المسيء صلاته، وهو الذي من أجله نبهه النبي صلى الله عليه وسلم على صفة الصلاة؛ لأن هذا الرجل كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة صلَّى ولم يحسن الصلاة، والمراد بعدم إحسانه الصلاة استعجاله فيها. فالطمأنينة إذا ركع أن ينتهي إلى الركوع الكامل، فإذا انتهى إلى الركوع الكامل يقول: سبحان ربي العظيم، وقدر قوله: سبحان ربي العظيم يعتبر تحصيلاً للطمأنينة.] شرح زاد المستقنع عن شبكة الإنترنت. وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي ترك الطمأنينة في الصلاة من كبائر الذنوب لما ورد من أحاديث في الترهيب من الإخلال في أركانها وواجباتها، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/٣٦١، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير والترهيب من ترك الطمأنينة في الصلاة، وقال الإمام الشوكاني بعد أن شرح عدداً منها: [والأحاديث في هذا الباب كثيرة وكلها ترد على من لم يوجب الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال منهما] نيل الأوطار ٣/٥٠٠، ومن هذه الأحاديث: عن علي بن شيبان رضي الله عنه قال خرجنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه فلمح بمؤخر عينه رجلاً لا يقيم صلاته، يعني صلبه في الركوع، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب١/٣٤٦. وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزىء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ورواه الطبراني والدارقطني والبيهقي وقالا إسناده صحيح ثابت وقال الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب١/٣٤٥. وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب ١/٣٤٥. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا يا رسول الله كيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب١/٣٤٦. وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو مات هذا على حاله هذه، مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئاً، قال أبو صالح - أحد رواة الحديث- قلت لأبي عبد الله: من حدَّثك بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أمراء الأجناد عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب١/٣٤٧. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليصلي ستين سنةً وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع) رواه أبو القاسم الأصبهاني، وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (٢٥٣٥) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة ثلاثة أثلاث، الطهور ثلث، والركوع ثلث، والسجود ثلث، فمن أدَّاها بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله، ومن رُدَّت عليه صلاته رُدَّ عليه سائرُ عمله) رواه البزار وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني وإسناده حسن، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب ١/٣٥٢. وروى البخاري (أن حذيفة رضي الله عنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته دعاه فقال له حذيفة: ما صليت وأحسبه قال ولو مُتَّ مُتَّ على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أخرى: (ما صليت ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم) . وغير ذلك من الأحاديث والآثار.

وخلاصة الأمر أن الطمأنينة واجبة في الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها، ومن صلَّى بدون تعديل لأركان الصلاة وواجباتها فلا صلاة له وكأنه لم يصل ويلزمه إعادتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>