[١٦١ - محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني]
محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني إن هذا العام لجدير أن يسمى عام الحزن على العلماء، لقد فقد العالم الإسلامي ثلة خيرة طيبة من علماء المسلمين، فقدنا الشيخ الشعراوي والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ علي الطنطاوي والشيخ مصطفى الزرقا وفقدنا أول أمس السبت محدث هذا العصر والأوان العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمهم الله رحمة واسعة وتقبلهم في الصالحين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم. وفي هذه المقالة القصيرة أحببت أن أقوم ببعض الواجب تجاه محدثنا الراحل فأذكر بعض ما كان فيه وبعض جوانب خدمته للسنة النبوية الشريفة وأنا أعلم أنني لن أوفيه حقه في هذه المقالة فإن الأمر يحتاج إلى مؤلفات ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله فأقول، هو محدث هذا العصر والزمان العالم الرباني أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الأرناؤوط الألباني وكما يظهر من سياق نسبه أنه ليس عربي الأصل وإنما هو من مسلمي ألبانيا وهذا لا يضيره فإن كبار علماء المسلمين كانوا من غير العرب كالبخاري ومسلم وإمام الحرمين الجويني والغزالي وغيرهم كثير جداً. اشتغل الشيخ الألباني بالحديث النبوي الشريف منذ عهد بعيد وقام على خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم لنا أعمالاً جليلة وترك ثروة علمية كبيرة فقد مضى عليه أكثر من ستين عاماً وهو في هذا العمل الجليل دراسةً وتدريساً تأليفاً وتحقيقاً وعملاً ودعوة فرسخ في رياض الفقه قدمه وسبح في بحار التخريج قلمه فأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر وأشار إلى تدقيقات نفيسة لم تحوها كتب الأكابر شهد له بذلك شائنوه قبل محبيه ومخالفوه قبل موافقيه. ولذلك فإنني لست بمبالغ إذا قلت: إنه لا يستغني باحث هذه الأيام عن الرجوع إلى آرائه في التضعيف والتصحيح فإنها محض النصح النصيح ومخض عن زبد الحق الصريح ينقح فيها ما لا يستغني عن التنقيح ويرجح ما هو مفتقر إلى الترجيح ويوضح ما لا بد من التوضيح. انظر مقدمة الجامع المفهرس ١/١١-١٢. كان الشيخ الألباني يرحمه الله كما وصفه الشيخ محمد إبراهيم شقرة:[راحلة علم عالية السنام تامة الخلق متماسكة البناء تغدو إليها رواحل العلم خفافاً خماصاً وتروح عنها ثقالاً بطاناً فقد أنعم الله عليه بعلم أوثقه إلى القرون الأولى وأقامه على جادتها وأراه فيها من آيات العلم الكبرى فكان لزاماً عليها أن تقصده في رغبة مقسطة تعرف له بها حقاً لا تؤديه إياه إلا أن تأتيه بهذه الرغبة فلا يرتد طرفها عنه إلا بأخذها منه حظاً وافراً تعرف به أنه حظ لا يكون إلا منه وأن الشيخ ما نيل منه بأذى ولا ينال - إن نيل - إلا بسب الحسد فالحسد في الناس قديم ... وللشيخ - نفع الله بعلومه - تفرد علمي يقوم على أسس قوية وأهمها: ١. وضوح منهجه العلمي بكل مراحله وسماته وقواعده وأصوله التي يقوم عليها. ٢. قدرته الحوارية التي أمكنت لها في عقله إحاطته الواسعة بالسنن والآثار والأخبار. ٣. حجته البالغة التي تداعت إليها الحجج وتناهت عندها الأدلة فأصاب منها قدراً وأعجز بها خصمه. وهذه الثلاثة أفضت به إلى رابعة وهي: ٤. شدته في الحق الذي يراه بما عنده من دليل وجرأته فيه لو عاد عليه بعداوة رعاع الناس فالعالم لا ترهبه عداوة الأعداء ولا ينعشه حب الأصدقاء والأولياء. وفتاواه الصريحة الجريئة التي تناقلها الناس وشاعت في أرجاء الأرض في مناسبات شتى، شاهد عدل على ذلك] فتاوى الشيخ الألباني ص ٣-٤. ولقد استفاد من علم الشيخ الألباني طلاب العلم الشرعي بل إن العلماء كانوا يطلبون منه أن يخرج لهم الأحاديث النبوية التي وردت في كتبهم كما في كتاب فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي يرحمه الله وكتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة يوسف القرضاوي يحفظه الله. خلف الشيخ الألباني ثروة علمية ضخمة أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: ١. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. وهذا الكتاب أعظم مؤلفات الشيخ الألباني وقد خرج فيه ٢٧٠٧ حديثاً أوردها العلامة الشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان في كتابه منار السبيل شرح الدليل للشيخ مرعي الكرمي ويقع في ثماني مجلدات وكانت مدة عمل الشيخ الألباني فيه أكثر من عشر سنوات وألحق به جزء للفهارس. ٢. سلسلة الأحاديث الصحيحة وصدر منها سبع مجلدات تضم ثلاثة ألاف حديث خرجها تخريجاً علمياً دقيقاً وموسعاً. ٣. سلسلة الأحاديث الضعيفة وصدر منها خمس مجلدات تضم ألفين وخمسمئة حديث. ٤. صحيح الجامع الصغير وزيادته في ثلاثة مجلدات كبيرة مع ضعيف الجامع وبلغ مجموع أحاديثه أربعة عشر ألف حديث. ٥. صحيح السنن الأربعة وضعيفها. وهو مشروع علمي جليل حيث قام العلامة الألباني بالحكم على الأحاديث الواردة في كتب السنن الأربعة وهي سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجة وجعل عمله على قسمين: قسم لصحيح السنن وقسم آخر لضعيفها وأخرج لنا مجموعة علمية قيمة يقع الصحيح منها في أحد عشر مجلداً من الحجم الكبير ويقع الضعيف منها في أربع مجلدات. هذا غيض من فيض من مؤلفات العلامة الألباني يرحمه الله والتي بلغت أكثر من ثمانين كتاباً مطبوعاً وخمسين كتاباً مخطوطاً. وقد أثنى على الشيخ الألباني عدد كبير من علماء العصر كالشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ محمد المجذوب رحمهم الله والشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله. ومن شعر الشيخ محمد المجذوب في الشيخ الألباني: فما عسى أن يقول الشعر في رجل يدعوه حتى عداه ناصر الدين وأي خير إذا فرد تجاهله وقد فشا فضله بين الملايين وقال فيه الشيخ ابن عثيمين: [.. فالرجل طويل الباع واسع الاطلاع قوي الإقناع] . وقال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:[كان ناصر الدين وما زال كالمطر لا يبالي على أي أرض سقط] انظر حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه. وأخيراً فإن هذا العالم الرباني قد تطاول عليه كثيرون من أشباه طلبة العلم حسداً أو جهلاً أو إنكاراً لجهوده أو لأنهم لا يعترفون بأي عالم في عالمنا الإسلامي إلا إذا كان على مشربهم فإلى هؤلاء وأؤلئك أسوق كلمة الحافظ ابن عساكر النيرة وهي:[إعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب] . رحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ونفعنا والمسلمين بعلمه. ?????