للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٢ - حكم جمع السجين بين الصلاتين بسبب المطر]

يقول السائل: ما حكم الجمع بين الصلاتين بسبب المطر في حق السجين؟

الجواب: إن الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية ١٠٣. ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة. والجمع بين الصلاتين رخصة حيث وجدت أسبابها.

وإن من المؤسف أن بعض أئمة المساجد وكذا بعض عامة الناس يتساهلون في الجمع بين الصلاتين بسبب المطر فنرى بعضهم يجمع بدون سبب موجب كأن يكون المطر صباحاً فيجمع الإمام بين المغرب والعشاء وكذلك يجمعون بين الظهر والعصر ثم ينطلقون إلى أعمالهم وأسواقهم ولا يمنعهم المطر عنها وإنما منعهم عن الصلاة فقط. ومثل هذا التساهل جمع المنفرد في بيته بين الصلاتين بسبب المطر ومثل ذلك في التساهل أيضاً جمع السجين في سجنه فمن المعروف أن السجين يصلي في سجنه ولا يذهب إلى المسجد فلا يتأذى من المطر. قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد يجمع فيه ... ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم ١/٩٥. وانظر الجمع بين الصلاتين في المطر ص٢٢٦ وعلل ذلك الماوردي بأن الجمع يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع. الحاوي الكبير ٢/٣٩٩. وقال الإمام النووي: [قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع ٤/٣٨١. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معللاً القول بمنع المنفرد من الجمع للمطر: [لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه] المغني ٢/٢٠٤. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية ما نصه: [المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع لمطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة ٨/١٣٥. وهذا هو الموافق للحكمة من مشروعية الجمع وهي رفع الحرج ودفع المشقة عمن يصلي في المسجد فأي حرج أو مشقة في حق من صلى في سجنه؟ وأنبه على أن كثيراً من أهل العلم يرون أن ترك الجمع أفضل وأولى بسبب خلاف من رأى عدم جواز الجمع. قال الإمام النووي: [وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوِّزونه. وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي وصاحب التتمة. قال الغزالي في البسيط: لا خلاف أن ترك الجمع أفضل] روضة الطالبين ١/٥٠٥. وقال ابن مفلح: [وتركه أفضل] الفروع ٢/٦٨. وقال المرداوي: [يؤخذ من قول المصنف " ويجوز الجمع " أنه ليس بمستحب وهو كذلك بل تركه أفضل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب] الإنصاف ٢/٣٣٤.

ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي أن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية ١٠٣. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقَّته فهو موقوت ووقَّته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير ١/ ٥١٠. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/٢٨٨-٢٨٩.

وقد روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر وغيره. وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم ٤٥٨١. وقال محمد بن الحسن الشيباني: [وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب في الآفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول] الموطأ برواية محمد بن الحسن ص٨٢.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة العدوي قال (قُرىء علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين) يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنميمة) . الدر المنثور ٢/ ٥٠٢. وقال الإمام البيهقي: [" باب ذكر الأثر في أن الجمع من غير عذر من الكبائر مع ما دلت عليه أخبار المواقيت ثم روى بسنده عن عمر رضي الله عنه قال: (جمعُ الصلاتين من غير عذر من الكبائر) قال الشافعي في سنن حرملة العذر يكون بالسفر والمطر وليس هذا بثابت عن عمر هو مرسل. قال الشيخ هو كما قال الشافعي والإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا وهو مرسل. أبو العالية لم يسمع من عمر رضي الله عنه وقد روى ذلك بإسناد آخر قد أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه ... (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل له ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر رضي الله عنه فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً وقد روي فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده من لا يحتج به ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جمعٌ بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) . لفظ حديث نعيم وفي رواية يعقوب (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره] سنن البيهقي ٣/١٦٩. وذكر ابن كثير الأثر عن أبي قتادة العدوى قال: قرئ علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة. وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرة فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير١/٤٨٥. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب الحمد لله نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) . ورفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى ٢٢/٥٣-٥٤.

وخلاصة الأمر فإني أنصح المساجين – فك الله أسرهم - بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع لأن جمعهم يعتبر جمعاً بدون عذر شرعي وعليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>