للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧ - انتهاك حرمة المساجد من الفرق الكشفية المصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول]

يقول السائل: ما قولكم فيما حصل في بعض المساجد من دخول الفرق الكشفية مصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول وقيامها بالعزف في ساحة المسجد إحياء للاحتفالات الدينية كما يُزعم، أفيدونا؟

الجواب: قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} سورة النور الآيتان ٣٦ - ٣٧. البيوت المذكورة في الآية الكريمة هي المساجد كما قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ورجحه القرطبي في تفسيره ١٢/٢٦٥، وقد قرر أهل العلم أن الأصل في المساجد أنها تبنى لذكر الله تعالى وإقامة الصلاة، والمساجد لها أحكام خاصة بها وآداب لا بد من المحافظة عليها كي تبقى للمسجد هيبته وحرمته في نفوس المسلمين لذا يمنع المسلم من فعل أمور كثيرة في المساجد مع أنه يجوز فعلها خارج المساجد وقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه (أن رجلاً نشد في المسجد – أي طلب ضالة له - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) رواه مسلم. قال الإمام النووي [في هذين الحديثين فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد ... وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها] شرح النووي عل مسلم ٢/٢١٥. وقال الإمام القرطبي بعد أن ذكر ذكر حديث بريدة السابق: [وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه دعوه) . فتركوه حت بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن) ... وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال: ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت!] تفسير القرطبي ١٢/٢٦٩. وورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. وورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الشيخ الألباني. وقد همّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل - أي رماني بحصاة - فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) . ونقل العينى عن المحب الطبري قوله: [إن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص] عمدة القاري ٦/٢٧٠. ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية ٣٢. ويقول تعالى {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} سورة الحج الآية ٣٠. قال الإمام القرطبي [ {ومن يعظم شعائر الله} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم.... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي ١٢/٥٦. ولا شك أن المساجد داخلة في عموم شعائر الله.

إذا تقرر هذا فإنه يجب تنزيه المساجد عن إقامة الاحتفالات التي تكون مصحوبة بفرق الإنشاد والموسيقى مع ضرب الدفوف أو فرق الكشافة المصحوبة بالطبول والأجراس، لأن هذا يشكل مخالفة واضحة لمنهج الإسلام. ويحاول بعض الناس إلباس هذه المناسات لباس الدين وليس لها أصل صحيح في دين الله عز وجل وإنما هي من المحدثات المبتدعات. وإن من الغرائب والعجائب أن نقرأ في برنامج الإعلان عن إحياء موسم النبي موسى عليه السلام الفعاليات الآتية التي ستعقد في الموسم: دبكة شعبية، فرقة موسيقية وعزف على العود مع غناء وطني، زجل شعبي، صندوق العجب، عرض دمى، ورشة رسم على الوجوه مهرجين، عزف على الآلات الشرقية ... إلخ وهذه ستعقد في المقام وهو في الأصل مسجد، إن هذه الأمور مشتملة على مخالفات شرعية بينة، وإن ألبست لباس التراث الشعبي أو لباس الوطنية أو لباس الثقافة فهذه الأمور لا تفعل في بيوت الله عز وجل، وقد كنت بحثت مسألة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام في كتابي (إتباع لا ابتداع ص ١٨٨- ٢٠٠ حيث ذكرت الأحكام الشرعية المتعلقة بها) وبينت أن الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام من البدع القديمة المتجددة وأن هذا الاحتفال في لبه ولحمته وسداه مخالف لدين الله سبحانه وتعالى ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ترتكب فيها المخالفات الشرعية الكثيرة باسم الدين وأن الإسلام بريء من هذه الاحتفالات التي تنسب إلى الدين زوراً وبهتاناً. والذي ظهر لي من خلال ما كتبه بعض المؤرخين كالدكتور كامل العسلي في كتابه (موسم النبي موسى) أنه كان موسم رقص وطرب واختلاط بين النساء والرجال بل إن النساء كن يرقصن في الحلقات أمام الرجال وأن هذا الموسم كان عليه مسحة من الصوفية المنحرفة. كما أن مقام النبي موسى المذكور ليس له صلة بنبي الله موسى عليه السلام، قال مجير الدين الحنبلي: [ومات موسى ولم يعرف أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه] الأنس الجليل ١/١٩٩. كما ويجب أن يعلم أنه لا علاقة لصلاح الدين الأيوبي بموسم النبي موس عليه السلام كما زعم بعض الكاتبين أن السلطان صلاح الدين الأيوبي هو أول من أنشأ موسم النبي موسى لمواجهة التجمعات الصليبية التي كانت تقام في عيد الفصح انظر المفصل في تاريخ القدس ص ١٧٦-١٧٧. وقد قرر المحققون من المؤرخين أن موسم النبي موسى حدث بعد ذلك، يقول الدكتور كامل العسلي: [وعلى أية حال فإنه من المهم أن نؤكد أننا لم نجد في الكتب القديمة التي وضعت في العصر الأيوبي ومنها كتاب العماد الأصفهاني وابن واصل والبهاء بن شداد وأبي شامة المقدسي أي إشارة إلى الموسم ولا إلى علاقة صلاح الدين الأيوبي أو ورثته بالموسم كما أنه ليس في الكتب التي وضعت زمن الأيوبيين ولا في الكتب التي وضعت زمن المماليك أو العثمانيين حسب علمنا ما يشير إلى أن الاحتفال بالنبي موسى كان ذا صبغة سياسية ... إن أول إشارة لموسم النبي موسى وقعنا عليها في الكتب، وردت في " إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى " لشمس الدين السيوطي المتوفى بعد سنة ٨٨٠ هـ ... وقد دون السيوطي كتابه هذا سنة ٨٧٥ هـ والإشارة الثانية وجدناها في مخطوط " الدر النظيم في أخبار سيدنا موسى الكليم " لأبي البقاء نجم الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة المتوفى بعد سنة ٩٠١ هـ] موسم النبي موسى ص٨٧-٨٩.

وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً إقامة الحفلات الموسيقية في المساجد وفي ساحاتها وكذا يحرم إقامة حفلات الرقص والطرب والدبكة فيها ويجب شرعاً منع فرق الكشافة من إقامة طقوسها في المساجد وفي ساحاتها والواجب على المسؤوين منع كل انتهاك لحرمات المساجد تحت مسمى الاحتفال بالمناسبات الدينية بغض النظر عن أهداف ومسميات تلك الاحتفالات.

<<  <  ج: ص:  >  >>