[٩ - حكم التبرع بالأعضاء البشرية لغير المسلم]
يقول السائل: ما هي الضوابط التي وضعها الفقهاء القائلون بجواز نقل الأعضاء البشرية من إنسان لآخر وخاصة ما يتعلق بالشخص المنقول إليه، أفيدونا؟
الجواب: مسألة نقل الأعضاء من إنسان وزرعها في جسم إنسان آخر من المسائل الحديثة التي بحثت بحثاً موسعاً من العلماء والباحثين المعاصرين وقد كتبت فيها أبحاث كثيرة وآخر ما اطلعت عليه رسالة دكتوراة تناولت الموضوع من جميع جوانبه وخلاصة الشروط التي ذكرها العلماء والباحثون المعاصرون لجواز نقل الأعضاء وزرعها ما يلي:
ما جاء في القرار الصادر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي في دورته المنعقدة بتاريخ ١٨ جمادى الآخرة ١٤٠٨ هـ، الموافق ٦ فبراير ١٩٨٨ م
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهود له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعاً: وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية. والله أعلم
ويلاحظ على قرار المجمع الفقهي أنه لم يشر إلى الشخص الذي سيزرع فيه العضو المنقول ولكن بعض المجامع العلمية الأخرى وبعض الباحثين نصوا على أنه يشترط في الشخص الذي سيزرع فيه العضو المنقول أن يكون مسلماً أو ذمياً معصوم الدم ولا يجوز النقل لكافر حربي.
وجاء في رسالة الدكتوراه للباحث د. يوسف بن عبد الله الأحمد بعنوان (أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) شروط نقل الأعضاء فقال [ما يجوز نقله من الأعضاء مما ذكر، إنما يجوز وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي عضو من الأعضاء، وهذه الشروط هي: ١. ألا يترتب على المتبرع ضرر بذهاب نفسه أو منفعة فيه؛ كالسمع والبصر والمشي ونحو ذلك؛ حفظاً لحق الله تعالى.
٢. ألا يكون النقل إلا بإذن المنقول منه؛ حفظاً لحق العبد في بدنه. وأخذ العضو دون إذنه ظلم واعتداء.
٣. أن يكون إذن المنقول منه وهو كامل الأهلية؛ فلا يصح من الصغير، والمجنون، أو بإسلوب الضغط والإكراه، واستعمال أساليب الحيل والإحراج؛ حفظاً لحق العبد في بدنه.
٤. ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان؛ كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع.
٥. أن يكون المنقول له معصوم الدم، فهو الذي أوجب الشرع حفظ نفسه بخلاف مهدر الدم؛ كالحربي.
٦. أن تحفظ العورات؛ فلا يجوز الكشف عليها إلا عند الضرورة، أو الحاجة الملحة، والضروة أو الحاجة تقدر بقدرها.
٧. إعمال الأطباء الذين يشرفون على علاج المريض قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد للمريض والمتبرع؛ فلا تجرى عملية النقل وانتفاع المريض بها مرجوح، ولا ينقل العضو من الإنسان مع إمكان علاج المريض بوسيلة أخرى. وغير ذلك من الصور والأحوال التي يدور عليها تصرف الطبيب مع المريض بإعماله لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.]
وجاء في فتوى للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [والتبرع بما ذكر في الحالتين مشروط بأن يكون المتبرَّع له معصوم الدم، أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، بخلاف الكافر المحارب.] عن شبكة الإنترنت
وجاء في فتوى أخرى للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [ ... وعليه فإذا كان المسلم متأكداً من أن المستفيد من أعضائه مسلمون أو من أهل الذمة فلا مانع من توقيعه على مثل هذه الوثيقة، وأما إذا أمكن أن يستفيد منها محارب فلا يجوز له فعل ذلك.] عن شبكة الإنترنت
وجاء في فتوى ثالثة للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [وذكرنا هناك أنه يشترط أن يكون المتبرَع له معصوم الدم أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، أما الكافر المحارب فلا يجوز التبرع له بالأعضاء]
وجاء في قرارات مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ما يلي: [قرر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بالإجماع جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه، وأمن الخطر في نزعه، وغلب على الظن نجاح زرعه. كما قرر بالأكثرية ما يلي:
أ- جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك، وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه.
ب- جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك.]
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء لغير المسلم ولغير الذمي فلا يجوز التبرع بالأعضاء للكافر الحربي ولا يزعمن أحد أن التبرع بالأعضاء عمل إنساني ينبغي التسوية فيه بين بني آدم جميعاً فهذه إنسانية مزيفة.
وقديماً قال الشاعر العربي: ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ.