يقول السائل: سمعت على إحدى الفضائيات شخصاً يذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) ويحتج به على تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فهل هذا الحديث ثابت، أفيدونا؟
الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الشيعة هم أكثر الفرق الإسلامية كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قرر ذلك جماهير أهل العلم من المحدثين والنقاد والفقهاء، فقد كذب الشيعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديث التي تؤيد مواقفهم في مختلف المجالات، ومن ضمن ذلك الأحاديث المكذوبة التي وضعوها في فضائل علي رضي الله عنه خاصة وآل البيت عامة، وكذبهم معروف ومشهور عند أهل العلم، فقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرافضة فقال:[لا تكلمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون] منهاج السنة ١/٣٧. وقال الإمام الشافعي:[ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة] منهاج السنة ١/٣٩، وقال شريك بن عبد الله القاضي:[احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث، ويتخذونه ديناً] منهاج السنة ١/٣٨. وقال حماد بن سلمة:[حدثني شيخ لهم - يعني الرافضة - قال: كنَّا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئاً جعلناه حديثاً] السنة ومكانتها في التشريع للدكتور مصطفى السباعي ص ٧٩. وقال يزيد بن هارون:[يكتب عن كل مبتدع إلا الرافضة، فإنهم يكذبون] المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص ٢٢. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[وقد رأينا في كتبهم – كتب الشيعة الرافضة - من الكذب والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وقرابته، أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٨/٤٨١-٤٨٢. وسبب ما قرره أهل العلم واتفقوا عليه من أن الشيعة أكذب الفرق هو أن أصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد، وتعمد الكذب فيهم كثير، وهم يقرون بذلك، حيث يقولون ديننا التقية، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه، ويقولون:(من لا تقية له لا دين له) ، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة. انظر مجموع مؤلفات عقائد الرافضة والرد عليها على موقع الشاملة على شبكة الإنترنت.
إذا تقرر هذا فإن الحديث المذكور (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) ، حديثٌ باطلٌ مردودٌ سنداً ومتناً، وقد تكلم عليه العلماء قديماً وحديثاً، قد حكم عددٌ كبيرٌ من أهل العلم على هذا الحديث بأنه مكذوب موضوع ومنهم: يحيى بن معين، والإمام البخاري والترمذي والدارقطني وابن طاهر المقدسي وابن الجوزي والنووي وابن دقيق العيد وابن تيمية والذهبي وعبد الرحمن بن علي الأثري الشافعي ومحمد بن السيد درويش الحوت والمعلمي اليماني والعلامة الألباني وغيرهم كثير. وقد فصَّل العلامة الألباني الكلام على هذا الحديث - بعد أن حكم عليه بأنه موضوع أي مكذوب - فقال: [أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " كما يأتي، والطبراني في " المعجم الكبير "(٣/١٠٨/١) ، والحاكم (٣/١٢٦) ، والخطيب في " تاريخ بغداد "(١١/٤٨) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق "(١٢/١٥٩/٢) من طريق أبي الصلت عبد السلام بن صالح العروي: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً. وقال ابن جرير والحاكم:" صحيح الإسناد ". وردَّه الذهبي بقوله:" بل موضوع ". ثم قال الحاكم:" وأبو الصلت ثقة مأمون ". فتعقبه الذهبي بقوله:" قلت: لا والله، لا ثقة ولا مأمون ". وقال في كتابه " الضعفاء والمتروكين ": " اتهمه بالكذب غيرُ واحدٍ، قال أبو زرعة: لم يكن بثقة. وقال ابن عدي: متهم. وقال غيره: رافضي ". وقال في كتابه " الضعفاء والمتروكين ": " اتهمه بالكذب غيرُ واحد، قال أبو زرعة: لم يكن بثقة. وقال ابن عدي: متهم. وقال غيره: رافضي ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاب " ... وقد روي الحديث عن علي أيضاً، وجابر، وأنس بن مالك. ١- أما حديث علي؛ فأخرجه الترمذي واستغربه، وقد بينت علته في " تخريج المشكاة "(٦٠٨٧) . ٢- وأما حديث جابر، فيرويه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وهو آخذٌ بيد علي يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، - يمد بها صوته - أنا مدينة العلم.... ". أخرجه الحاكم (٣/١٢٧ و ١٢٩) مفرقاً، والخطيب (٢/٣٧٧) . وقال الحاكم:" إسناده صحيح "! وردَّه الذهبي بقوله: " قلت: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيح هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجال كذاب " ... وجملة القول؛ أن حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجة، بل كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفاً من بعض ... ] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ٦/٥١٩-٥٣٠.
وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث من حيث المتن، لأن متنه باطل شرعاً، ومخالف لما هو مقرر شرعاً فقال:[وأما حديث مدينة العلم فأضعف وأوهى ولهذا إنما يُعَدُ في الموضوعات المكذوبات، وإن كان الترمذي قد رواه، ولهذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين أنه موضوع من سائر طرقه، والكذب يُعرف من نفس متنه لا يحتاج إلى النظر في إسناده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم لم يكن لهذه المدينة إلا باب واحد، ولا يجوز أن يكون المبلغ عنه واحداً، بل يجب أن يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، ورواية الواحد لا تفيد العلم إلا مع قرائن، وتلك القرائن إما أن تكون منتفية، وإما أن تكون خفية عن كثير من الناس أو أكثرهم، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنة المتواترة، بخلاف النقل المتواتر الذي يحصل به العلم للخاص والعام،
وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل، ظنه مدحاً وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في علم الدين إذا لم يبلغه إلا واحد من الصحابة،
ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن المسلمين بلغهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي رضي الله عنه، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهم ظاهر، وكذلك أهل الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي رضي الله عنه إلا شيئاً قليلاً، وإنما كان غالب علمه في أهل الكوفة، ومع هذا فقد كانوا تعلموا القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلاً عن خلافة علي، وكان أفقه أهل المدينة وأعلمهم تعلموا الدين في خلافة عمر، وقبل ذلك لم يتعلم أحد منهم من علي شيئاً إلا من تعلم منه لما كان باليمن، كما تعلموا حينئذ من معاذ بن جبل، وكان مقام معاذ بن جبل أكثر مما رووه عن علي وشريح وغيره من أكابر التابعين، إنما تفقهوا على معاذ، ولما قدم عليٌّ الكوفة كان شريح قاضياً فيها قبل ذلك، وعليٌ وجد على القضاء في خلافته شريحاً وعبيدة السلماني، وكلاهما تفقه على غيره، فإذا كان علم الإسلام انتشر في مدائن الإسلام بالحجاز والشام واليمن والعراق وخراسان ومصر والمغرب قبل أن يقدم إلى الكوفة، لما صار إلى الكوفة عامة ما بلغه من العلم بلغه غيره من الصحابة، ولم يختص عليٌ بتبليغ شيء من العلم إلا وقد اختص غيره بما هو أكثر منه، فالتبليغ العام الحاصل بالولاية حصل لأبي بكر وعمر وعثمان منه أكثر مما حصل لعليٍ، وأما الخاص فابن عباس كان أكثر فتيا منه، وأبو هريرة أكثر رواية منه، وعليٌ أعلم منهما، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان أعلم منهما أيضاً، فإن الخلفاء الراشدين قاموا من تبليغ العلم العام بما كان الناس أحوج إليه مما بلغه من بلغ بعض العلم الخاص] الفتاوى الكبرى ٤/٤٣٧.
وأما الاحتجاج بهذا الحديث الباطل على تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فمن أبطل الباطل عند علماء أهل السنة والجماعة، لأن الحديث مكذوب كما سبق، ولأن أهل السنة متفقون على تقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على علي رضي الله عنه في الفضل وفي العلم والفقه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين إن علياً أعلم وأفقه ن أبي بكر وعمر، بل ولا من أبي بكر وحده ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غيرُ واحدٍ من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروزي أحد الأئمة الستة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه تقويم الأدلة على الإمام، إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي وما علمت أحداً من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهى ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعاً ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن هذه المرتبة لغيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه مثل قصة مشاورته في أسرى بدر ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٤/٤٢٩.
وخلاصة الأمر أن حديث:(أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) حديث باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا من كذب الشيعة وافتراءاتهم على دين الإسلام، ولا يصح شرعاً تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.