للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩ - وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية]

يقول السائل: أثير نقاش مؤخراً حول وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية وأنها تتضمن بنوداً مخالفة للإسلام، فما قولكم في ذلك أفيدونا؟

الجواب: إن وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية لا تعتبر الإسلام من مرجعيتها أو من مصادرها، بل فيها ردٌ واضح للأحكام الشرعية المنصوصة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه الوثيقة تجعل مرجعيتها مجموعة من الأنظمة والقوانين الوضعية مثل المواثيق الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والقانون الأساسي الفلسطيني، فقد ورد في الوثيقة ما يلي: [لم يكن للمرأة الفلسطينية أن تسمو بوضعها القانوني الخاص دون أن تستند في مطالبها إلى منظومة قانونية متكاملة، ترتكز في مجملها على مجموعة من الثوابت والحقوق القانونية التي تحقق في مجموعها نتائج ايجابية، لتحقيق المساواة المطلقة بينها وبين الرجل، حسب ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني.] والمدقق في بنود هذه الوثيقة يقرأ بشكل واضح الدعوة إلى إقصاء الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة وغيرها إقصاءً تاماً، وتدعو الوثيقة باسم حقوق المرأة إلى هدم المعقل الأخير للمرأة المسلمة ألا وهو الأسرة، قال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} سورة البقرة الآية ٦١. وهذا عرض سريع لأهم بنود الوثيقة التي تسير في هذا السياق وبيان ما تخالفه من النصوص والأحكام الشرعية: ١- ورد في الوثيقة [يحق للمرأة الفلسطينية تقلد جميع المناصب العامة في الدولة، وممارسة جميع الصلاحيات القانونية المرتبطة بعمل هذه المناصب، وذلك وفقاً للحاجات والشروط القانونية والمهنية دونما تمييز بينها وبين الرجل.] ومعلوم شرعاً أن المرأة لا تتولى الولايات العامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري ولغير ذلك من الأدلة. ٢- ورد في الوثيقة: [تحقيق وحدة الأسرة الفلسطينية في وطنها وفق إعلان حقوق الإنسان] ومن المعلوم شرعاً أن الإسلام قد بين كل الأحكام المتعلقة بالأسرة بياناً واضحاً جلياً. ودين الإسلام هو خير من رعى الأسرة. ٣- ورد في الوثيقة: [يؤخذ بشهادة المرأة في جرائم الزنا على نحو مساوٍ لشهادة الرجل، على اعتبار تساويهما في شروط الأهلية القانونية.] وهذا فيه مصادمة واضحة للنصوص الشرعية، قال الله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} سورة النساء الآية ١٥. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة النور الآية ٤. وقال الله تعالى: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} سورة النور الآية ١٣ وروى مالك عن الزهري: (مضت السنة بأن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص) الموطأ. ٤- ورد في الوثيقة: [تلتزم السلطة الفلسطينية بمقاومة كافة الأعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تبيح العنف ضد المرأة] ولا شك أن هذا افتراء عظيم على الدين، فالدين الإسلامي لا يبيح العنف ضد المرأة ولكن الإسلام نظم مسألة تأديب الزوج لزوجته، يقول الله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} سورة النساء الآية ٣٤. ٥- ورد في الوثيقة: [للمرأة متى أدركت سن الثمانية عشر، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهي متساوية مع الرجل في كافة الحقوق عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله] وهذا فيه دعوة إلى تأخير سن الزواج وإلى إلغاء الولاية في النكاح وإلى زواج المسلمة من غير المسلم وإلغاء مبدأ القوامة وإلى قيام المرأة بتطليق زوجها وغير ذلك من المفاسد والمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. ٦- ورد في الوثيقة: [يلتزم المشرع الفلسطيني باعتبار الحد الأدنى لسن زواج الفتيات الثمانية عشرة سنة شمسية كون هذا السن متوافقاً مع ما أخذت به أحكام القانون المدني من سن الأهلية القانونية اللازم لمباشرة التصرفات القانونية.] وهذا البند كسابقه فيه دعوة إلى تأخير سن الزواج، وهذا بناءً على الفكرة الغربية التي ترى أن سن الطفولة يمتد إلى ثمانية عشر عاماً!! وهو مخالف لما هو مقرر شرعاً ومخالف لما قرره قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا، حيث حدد أقل سن للزواج كما جاء في المادة الخامسة منه ما يلي: [يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر] . ٧- ورد في الوثيقة: [الأصل في عقد الزواج الوحدانية والديمومة، ويجوز للقاضي استثناء السماح للرجل بالزواج من ثانية شريطة إبداء أسباب ضرورية وملحة، على أن يثبت القدرة على الإنفاق والعدل، بالإضافة إلى اشتراط علم الزوجة الأولى بهذا الحق، وعلم الزوجة الثانية بوجود زوجة سابقة.] وهذا فيه تعدٍ على الأحكام الشرعية، فالإسلام أباح تعدد الزوجات بشروطه المعروفة، ولم يشترط إبداء أسباب ضرورية وملحة، وليس من شروط التعدد علم الزوجة الأولى ولا الزوجة الثانية، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} سورة النساء الآية ٣. ٨- ورد في الوثيقة: [للمرأة الحق في الحصول على تعويض عن الطلاق التعسفي، ومنحها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود المبرر لذلك، مثل إصابة الرجل بالعقم أو بمرض مزمن أو عدم قدرته على مباشرة حياته الزوجية أو تعدد زوجاته] فهذه الوثيقة جعلت تعدد الزوجات من أسباب طلب الطلاق وهذا مخالف للشرع مخالفة واضحة. ٩- ورد في الوثيقة: [للمرأة حق المساواة المطلق مع الرجل في جميع مجالات القانون المدني، كالمساواة في حق الملكية والتوريث] ، ونحن نؤمن [الإيمان المطلق بأن دين الإسلام هو دين العدل، ومقتضى العدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ويخطىء على الإسلام من يطلق أنه دين المساواة دون قيد؛ لأن المساواة المطلقة تقتضي أحياناً التسوية بين المختلفين، وهذه حقيقة الظلم، ومن أراد بالمساواة العدل فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولم يأت حرفٌ واحدٌ في القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق، إنما جاء الأمر بالعدل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} سورة النحل الآية٩٠، فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل، فتسوي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرق حين يكون التفريق هو العدل، قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة الأنعام الآية١١٥، أي صدقاً في الإخبار، وعدلاً في الأحكام] وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها. وكذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث فيها مصادمة صريحة للنصوص الشرعية، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} سورة النساء الآية ١١. ١٠- ورد في الوثيقة: [للمرأة حرية التنقل والسفر والعمل دون اشتراط الحصول على إذن من أحد، متى بلغت الأهلية القانونية المطلوبة لذلك دونما تمييز عن الرجل] وهذا مخالف للنصوص الشرعية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم) . رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (لا تسافر المرأ إلا مع ذي محرم) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها) رواه مسلم.

هذه طائفة من البنود الواردة في الوثيقة التغريبية للمرأة الفلسطينية. ومناقشة بنودها تحتاج إلى مجال أوسع من هذا المقام، ولكن لا بد من التأكيد على أن هذه الوثيقة ما هي إلا امتداد لحركة تغريب المرأة المسلمة وسلخها من دينها، وغلفت هذه الوثيقة بأغلفة براقة خداعة كالحقوق والمساواة، ونحن نعتقد [الاعتقاد الجازم بأن مصدر الخير والحق - فيما يتعلق بأمر الدنيا والآخرة - هو الوحي الإلهي بمصدريه الكتاب والسنة المطهرين، ومن ذلك الإجماع الثابت المعتبر، واعتبار الرجوع إليها وعدم مخالفتها، من أصل الإيمان وشرطه، قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة النساء الآية ٦٥، ومن المعلوم بالضرورة أن من توحيد الله في ربوبيته الإيمان بأن الحكم والتشريع حق لله، في شؤون المجتمع، وشؤون أفراده، وفي الحياة كلها، ومن توحيده في ألوهيته الإيمان بوجوب التحاكم إليه في كل شيء. واليقين بصلاحية هذه الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان، وبشمولها لكل مناحي الحياة، والثقة التامة بهذا الدين, وأحكامه الكلية والجزئية، والإيمان بأنه هو الخير كله، والعدل كله، والرحمة كلها، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} سورة الإسراء الآية ٩، وسبب هذه الثقة صدور هذه الأحكام عن الله العزيز الحكيم، اللطيف الخبير، الموصوف بالعلم الشامل والحكمة التامة، قال الله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} سورة المائدة الآية ٥٠. لذا فإن التصحيح والإصلاح لأي خلل في أي وضع أو ممارسة, يجب أن يكون وفق معيار الشريعة في الصواب والخطأ، والحق والضلال، وليس وفق موازين الآخرين من غير المسلمين أومن تأثر بهم من أبناء المسلمين، قال الله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} سورة المائدة الآية ٤٩. ونحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية تحرم التمييز الظالم ضد المرأة، الذي يخل بحقوقها, أو يخدش كرامتها. ولا يوجد تمييز مجافٍ للعدل ومحابٍ للرجل في منهج الإسلام أو أحكامه ضد المرأة, إلا ما كان في أذهان المرضى بالهزيمة النفسية، أو عند الجاهلين بالشرع المطهر، الذين لم يدركوا الحِكَم من وجود بعض الفروق الخَلقية والجبلية، وما لزم على ذلك من وجود بعض الاختلاف في الأحكام الشرعية والوظائف والحقوق الحياتية، وكل دعوى تنافي ذلك - سواء صدرت عن عدو مغرض أو عن صديق جاهل - فهي مبنية على وهم وغفلة، أو حجة داحضة.] وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها. ويجب شرعاً على أهل العلم وغيرهم التصدي لأهل الأهواء ومتبعي الشهوات في كل المجالات التعليمية والثقافية والإعلامية والنسوية وغيرها، وعدم تمكينهم من انتهاك الحقوق الشرعية للنساء المسلمات، أو تبني المناهج والبرامج التي تقود إلى انتهاك عفتهن، أو إشاعة الفاحشة بين المؤمنين؛ إرضاءً للمناهج الغربية، وترويجاً للمبادئ الوضعية واعتبار ذلك معياراً للتقدم والحضارة، وما ذلك إلا سراب زائف.

وخلاصة الأمر أن وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية مشتملة على جملة مخالفات صريحة وواضحة للنصوص الشرعية، وبالتالي فهذه الوثيقة ما هي إلا انسلاخ من الدين واعتداء على ثوابته، وتغريب للمرأة المسلمة، ويحرم شرعاً العمل بها أو الرضا بمضامينها.

<<  <  ج: ص:  >  >>