يقول السائل: من المعلوم أن الرجل هو الذي يختار المرأة عند رغبته في الزواج فهل يجوز أن يعرض الإنسان ابنته على شخص ليتزوجها؟
الجواب: لا مانع شرعاً من أن يعرض المسلم ابنته أو أخته على من يرى فيه الصلاح للزواج منها. قال الله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع والد الفتاتين اللتين سقى لهما موسى الغنم:(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَه وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) سورة القصص الآيات ٢٣-٢٨. قال القرطبي: [قوله (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) الآية. فيه عرض الولي بنته على الرجل وهذه سنة قائمة عرض صالح مدين ابنته على صالح بني اسرائيل وعرض عمر ابن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فمن الحسن عرض الرجل وليته والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بالسلف الصالح] تفسير القرطبي ١٣/٢٧١.
وقال الإمام البخاري في صحيحه " باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير " ثم روى بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدَّث: (أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي في المدينة، فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئاً، وكنت أوجد عليه مني على عثمان. فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لقد وجدت عليَّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً. قال عمر: قلت: نعم، قال: أبوبكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أنني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها) . قال الحافظ ابن حجر في أول شرحه للباب بأن الإمام البخاري أورد عرض البنت في الحديث الأول وعرض الأخت في الحديث الثاني - وسيأتي ذكره - فتح الباري ١١/٨٠. ثم قال الحافظ ابن حجر:[وفيه - أي الحديث - عرض الانسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك] فتح الباري ١١/٨٢. ثم ذكر الإمام البخاري الحديث الثاني وفيه إشارة إلى عرض أم حبيبة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج أختها وقد ذكر البخاري الرواية المصرحة بذلك في موضع آخر من صحيحه ونصها:(عن أم حبيبة قالت: قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ قلت: تنكح، قال: أتحبين؟ قلت: لست لك بمخلية وأحب من شركني فيك أختي، قال: إنها لا تحل لي ... الخ) الحديث. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ١١/٦٢ وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج أختها.
وكذلك يجوز للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح ليتزوج بها. قال الإمام البخاري في صحيحه " باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح " ثم روى بسنده عن أنس رضي الله عنه: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، واسوأتاه، قال هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها) . وروى البخاري أيضاً بسنده عن سهل بن سعد:(أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: يا رسول الله زوجنيها، فقال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء، قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا، ما وجدت شيئاً ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه. قال سهل: وماله رداء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعي له، فقال له: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وسورة كذا، لسور يعددها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أملكناكها بما معك من القرآن) . صحيح البخاري ١١/٧٩. وقال الحافظ ابن حجر:[وفي الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأن لا غضاضة عليها في ذلك وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكفي السكوت] فتح الباري ١١/٨٠. وعرض الرجل ابنته على الرجل الصالح ليتزوج بها أمر لا بأس به كما سبق وفعله جماعة من السلف كما جاء في قصة سعيد بن المسيب أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولاه العهد، فأبى أن يزوجها، قال أبو وداعة: [كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً، فلما جئت قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي، فاشتغلت، قال: فهّلا أخبرتنا فشهدناها؟ قال: ثم أردت أن أقوم. فقال: هل أحدثت أمرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: إن أنا فعلت تفعل؟ قلت: نعم، فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو على ثلاثة، فقال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وصرت إلى منزلي. وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟ وصليت المغرب، وكنت صائماً فقدمت عشائي لأفطر، وكان خبزاً وزيتاً، وإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا سعيد بن المسيب، وظننت أنه بدا له، فقلت: يا أبا محمد! هلا أرسلت إليّ فأتيتك؟ قال: لا، أنت أحق أن تزار، قلت: فما تأمرني؟ قال: رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم صعدت إلى السطح، وناديت الجيران، فجاءوني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: زوجني سعيد بن المسيب ابنته، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار، فنزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهراً لا يأتيني ولا آتيه، ثم أتيته بعد شهر وهو في حلقته فسلمت عليه فردَّ عليَّ ولم يكلمني حتى انفض من في المسجد، فلما لما يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: على ما يحب الصديق ويكره العدو) عن عشرة النساء ص ٨٧-٨٨. ?????