يقول السائل: قرأت الحديث التالي في كتاب تنبيه الغافلين للسمرقندي فهل هو حديث صحيح أفيدونا، ونص الحديث هو (روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فقال يا جبريل ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من ثياب النار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعاً من حره، والذي بعثك بالحق لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي فأموت قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل؟ وأنت من الله بالمكان الذي أنت به! قال: ومالي لا أبكي أنا أحق بالبكاء لعلي أن أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة،، وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد: إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصيا، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟ ! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل، فنودي: يا محمد: لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسراً، ولم أبعثك معسراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا، وقاربوا) .
الجواب: لا بد أن أبين أولاً حال كتاب [تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء وامرسلين] تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم السمرقندي المتوفى سنة ٣٧٥هـ، وقد تكلم أهلُ العلم على هذا الكتاب كما فصل ذلك الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله ورعاه عند ذكره لكتب السمرقندي فقال: [تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين، بستان العارفين، دقائق الأخبار في بيان ذكر أهل الجنة وأحوال أهل النار، قرة العيون ومفرح القلب المحزون، كلها لأبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي ت ٣٧٥هـ، وهذه الكتب مطبوعة وهي مشتهرة بين العوام ويتداولونها بكثرة، ولذا تحرص دور النشر على طبعها بأرخص الأثمان وهذه الكتب مليئة بالأحاديث والأخبار الموضوعة وربما يذكر صاحبها فيها سنده، فهي مفيدة لطالب العلم الذي ينظر في الأسانيد ويمحص عن حالة الرواة فهي من مظان الحكم على كثير مما هو سائد بين العوام بالوضع أو الكذب أو الضعف وإن راجت على صاحبها ولذا وقع في عبارة الإمام الذهبي تحذير ضمني منها فقال: في ترجمة صاحبها في سير أعلام النبلاء (١٦/٣٢٣) : [وَتَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ] . وقال – أي الذهبي - في " تاريخ الإسلام " في ترجمته ... وفي كتاب " تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة. ا. هـ. وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي " (٣/٤) : وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة، فلا ينبغي قراءته للعامة لا يعرفون صحيحه من موضوعه. ا. هـ. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وذكر من بينهم أبا الليث السمرقندي، وقال: " فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالنَّقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما، لكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة على الناقل. ا. هـ. ... وقد حذر من جل الكتب السابقة الشيخ السلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه " المنحة المحمدية في بيان العقائد السلفية "(ص١٧١ - ١٧٢) فقال تحت عنوان " كتب لا يحل قراءتها " في مبحث سبب انتشار الحكايات والمنامات الفاسدة والخرافات الفاشية التي لم يعهد لها أصل في كلام السلف الصالحين، ولا في سنن سيد المرسلين؛ قال: وإنما هي فاشية بين العوام والجهلاء والطغام من كتب المناقب ككتاب " الروض الفائق "، و " روض الرياحين في مناقب الصالحين " و " ونوادر القليوبي " و " كرامات الأولياء " و " ونزهة المجالس " و " وتنوير القلوب "، و " تنبيه الغافلين "، وكذا كتب الشروح والحواشي الأزهرية، وأمثال هذه الكتب لا تحوي سوى ما يفسد عقائد العوام وبسطاء العقول، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا عليها في الجرائد والمجلات وفي دروسهم ومؤلفاتهم، إذ هي السبب الأعظم في إفشاء تلك الخرافات بين العوام وفي عبادتهم لقبور الصلحاء، فكان الواجب إيقاف طبعها ومصادرة قراءتها دفعا لضررها وتطاير شررها ... ] كتب حذر منها العلماء ٢/١٩٨ -٢٠٠.
وقد سئلالعلامة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم السمرقندي: أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي وردت فيه هل هي صحيحة أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ فأجاب رحمة الله عليه بقوله [وفيه أحاديث موضوعة، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين ما يقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل ليكون على بصيرة من أمره ولئلا ينسب إلى رسول الله صلي الله علية وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه فإن من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبيَن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعداً من النار فنصيحتي لمن ليس له علم بالأحاديث أن لا يطلع على هذا الكتاب، ومن عنده علم يميز بين المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل وإن رأى أنه يصده عن قراءة ما هو أنفع منه له فلا يذهب وقته في قراءته] عن موقع الشيخ العثيمين على الإنترنت.
إذا تقرر هذا فنعود للكلام على الحديث المذكور فقد ذكر أهل الحديث أنه حديث موضوع أي مكذوب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الألباني: [موضوع بهذا السياق والتمام أخرجه ابن أبي الدنيا في " صفة النار “ ... والطبراني في المعجم الأوسط ... قال: عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه, فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد به سلام “. قلت: وقال الهيثمي ١٠/٣٨٦ – ٣٨٧ بعد ما عزاه للطبراني: " وهو مجمع على ضعفه “. قلت: وقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع كما تقدم غير ما مرة, وقال ابن حبان في " الضعفاء والمتروكين “: " يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها “. قلت: وفي هذا الحديث ما يؤكد ما اتهموه به أعظمها قوله في إبليس: (كان من الملائكة) وهذا خلاف القرآن: {وكان من الجن ففسق عن أمر ربه} ثم إن الملائكة خلقت من نور كما في صحيح مسلم وهو مخرج في " الصحيحة " (٤٥٨) , وأما إبليس فخلق من نار كما في القرآن والحديث. ونحوه قوله: " ما ابتلي به هاروت وماروت, فإنه يشير إلى ما يروى من قصتهما مع الزهرة ومراودتهما إياها وشربهما الخمر وقتلهما الصبي, وهي قصة باطلة مخالفة للقرآن أيضا كما سبق بيانه في المجلد الأول برقم (١٧٠) . ولا يفوتني التنبيه أن قوله:" لو تعلمون ... " إلى قوله: " تجأرون إلى الله عز وجل " قد جاء طرفه الأول في " الصحيحين “, والباقي عند الحاكم وغيره, فانظر الحديث الآتي إن شاء الله برقم (٤٣٥٤) . وتخريج " فقه السيرة " (ص ٤٧٩) .] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ٣/٤٧٣- ٤٧٤.
وخلاصة الأمر أن يجب الحذر من كتاب تنبيه الغافلين لما فيه من الأحاديث المكذوبة وأن الحديث المذكور مكذوب لا تحل نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم. وقال ابن حبان في صحيحه: فصل: " ذكر أسباب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته " ثم ساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه. ثم ذكر حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدّث بحديث يُرى - بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم.