يقول السائل: إنه قرأ فتوى في إحدى الصحف تتعلق بالملابس التي كتبت عليها آيات من القرآن الكريم وقد جاء فيها: [يجوز لبس الثوب المطرز بآيات من القرآن حتى للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر ... ] فما قولكم في ذلك؟
الجواب: القرآن الكريم كتاب هداية ودستور ومنهاج للأمة وقد أنزل القرآن ليسير الناس وفق هداه ويطبقوه في حياتهم. وتعظيم كتاب الله أمر واجب في حق كل مسلم ومن وقر القرآن فقد وقر الله سبحانه وتعالى ومن استخف بالقرآن فقد استخف بالله تعالى:(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي ١/٢٩. وقد ذكر العلماء جملة من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها عند التعامل مع القرآن الكريم. انظر التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال فنقول: إنه لا يجوز أن يكتب شيء من القرآن على الملابس أو تطرز الملابس بالآيات القرآنية لما في ذلك من امتهان لكلام الله سبحانه وتعالى واحتقار له حيث إن الإنسان إذا لبس ثوباً عليه آيات من القرآن فقد يجلس عليها أو يقضي حاجته وهو يلبس تلك الثياب فيدخل محل النجاسات، وكتاب الله ينزه عن ذلك الامتهان.
وكم يكون امتهان كتاب الله كبيراً وفظيعاً إذا كتبت بعض الآيات على الملابس الداخلية للرجال والنساء أو على ملابس البحر كما فعلت بعض المصانع الأجنبية؟ كما أن القول بجواز ذلك للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر كما جاء في الفتوى فيه استخفاف بكلام الله وتحقير له فإذن يجوز بناء على هذه الفتوى أن يجامع الرجل زوجته وهما أو أحدهما يلبس ملابس طرزت بآيات القرآن الكريم؟ هل يصح هذا شرعاً؟!! فالقول بجواز ذلك فيه فتح باب شر كبير يؤدي إلى استهانة الناس بكتاب الله سبحانه وتعالى أو ببعضه وبعض المصحف له حكم المصحف كما قرر ذلك أهل العلم، انظر كشاف القناع ١/٥٩. والقول بجواز ذلك غير صحيح لما فيه من تعريض آيات القرآن للامتهان والاحتقار، فالملابس قد تتسخ أو تصيبها نجاسة كما أن الإنسان قد يخلع الثوب الذي كتب عليه بعض القرآن ويضعه مع غيره من الملابس القذرة أو في محل قذر وكذلك قد ينام فيها، فهذا كله فيه إهانة لكلام الله سبحانه وتعالى، فالقول بجواز ذلك لا وجه له وترده الأصول والقواعد العامة القاضية بوجوب احترام كلام الله عز وجل وقد ذكر الحافظ ابن رجب أن الإمام أحمد سئل عن الستر يكتب عليه القرآن فكره ذلك وقال:[لا يكتب القرآن على شيء منصوب لا ستر ولا غيره] أحكام الخواتم ص ١٠٣. وقد منع كثير من أهل العلم نقش جدران المساجد بآيات من القرآن الكريم والجدران مرفوعة ومصانة فكيف بالملابس التي تلبس وتتعرض للنجاسات وللدخول بها إلى محل قضاء الحاجة ولغير ذلك من الامتهان؟ فالقرآن الكريم له حرمته في قلب كل مسلم وما زال المسلمون إلى وقتنا الحاضر يرفضون كتابة آيات من القرآن الكريم أو لفظ الجلالة أو لفظ محمد صلى الله عليه وسلم أو أي شيء مقدس على الملابس والمصنوعات أو إطلاق مثل ذلك على المحلات. وكم مرة قرأنا أو سمعنا تقديم احتجاجات من المسلمين وجمعياتهم في بلاد الغرب ضد شركات أو مصانع وضعت آيات من القرآن الكريم على منتوجاتها ثم يأتي بعض المفتين في ديارنا فيجيزون ذلك اعتماداً على أقوال بعض متأخري الفقهاء دون حجة أو دليل صحيح. وقد تكون فتواهم مناسبة لزمانهم وأما في زماننا فقد تغيرت الظروف والأحوال فيتغير مناط الحكم. إن الأصول العامة للشريعة الإسلامية ترد هذه الفتوى ولو من باب سد الذرائع لما قد تؤدي إليه من امتهان واحتقار لكلام رب العالمين ولما في ذلك من مصادمة مقاصد الشارع الحكيم في تعظيم القرآن الكريم.
وقد منع أهل العلم المعاصرون مثل هذه الأمور وصدرت فتاوى كثيرة بهذا الخصوص منها فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية حيث ورد سؤال عرض على اللجنة متعلق بكتابة آية الكرسي والبسملة على ساعة حائط فأجابت اللجنة بما يلي: [أنزل الله القرآن ليتعبد الناس بتلاوته وتدبر معانيه فيعرفوا أحكامه ويأخذوا أنفسهم بالعمل بها وهكذا يكون موعظة له وذكرى تقشعر منه جلودهم وتلين به قلوبهم ويكون شفاء لما في الصدور من الجهل والضلال وطهارة للنفوس من أدران الشكوك وما ارتكبته من المعاصي والذنوب وجعله سبحانه هدى ورحمة لمن فتح له قلبه وألقى إليه السمع وهو شهيد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) الآية وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وجعل الله سبحانه القرآن معجزة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآية باهرة على أنه رسول الله من عند الله إلى الناس كافة رحمة بهم وإقامة للحجة عليهم قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِءَايَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال: (تِلْكَءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وقال: (تِلْكَءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) إلى غير ذلك من الآيات، وإذاً فالقرآن كتاب هداية وتشريع ومواعظ وعبر وبيان للأحكام وآية بالغة ومعجزة باهرة وحجة دامغة أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينزله سبحانه ليكتب كلمة أو آية منه على ساعات الدليل زينة لها أو ترويجاً لها وإغراء بشرائها أو ليتخذها حاملها حرزاً له إلى جانب استخدامها في معرفة الجهات فكتابة آية من القرآن أو اكثر على ساعات الدليل أو نحوها فيه انحراف بالقرآن عما أنزل من أجله واستعماله فيما فيه إزراء به وإهانة له بتعريضه إلى ما لا يليق به من الأوساخ والأقذار ودخول بيت الخلاء به ونحو ذلك ومع هذا فهو عمل مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه رضي الله عنهم ولما كان عليه السلف الصالح فعلى من آمن بالقرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأراد الخير لنفسه أن يبتغي البركة وصلاح شؤونه في دينه ودنياه من الله سبحانه بتلاوة كتابه الكريم والعمل به في عباداته ومعاملاته ليفيض سبحانه عليه ويعظم له الأجر ويحفظه في كل أحواله وييسر له سائر شؤونه. وكذلك الحكم في كتابة الكلمات:(الله أكبر ولا إله إلا الله محمد رسول الله) التي جعلت داخل إطار ساعة الدليل فإنها جعلت في الشرع لإعظام الله وإكباره والثناء عليه بها ومفتاحاً للدخول في الإسلام وعلامة على الإيمان ويعصم بها دم من قالها وماله ولم تجعل لتكون رسوماً على أجهزة أو ساعات أو آلات للاستهانة بها فمن المعلوم أن ساعات الدليل وغيرها تؤدي الغرض الذي صنعت من أجله من غير أن يتوقف ذلك على كتابة الآية أو هذه الأذكار عليها أو فيها] فتاوى اللجنة الدائمة ٤/٣٤-٣٥.
وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن حميد رحمة الله عليه: [ما حكم وضع آية الكرسي على قلب من ذهب للنساء والأطفال وكذلك كلمة الله ومحمد صلى الله عليه وسلم وحكم الدخول به في دورات المياه أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: هذا خطأ، القرآن لم ينزل للهو بأن يجعل على ذهب أو أواني أو ما أشبه ذلك إنما القرآن أنزله الله شفاء لأمراض القلوب وهداية للناس ونوراً ورحمة وموعظة للمؤمنين ولم ينزل القرآن من اجل أن يعلقوه على حليهم!! أو يعلقوه على ملابسهم!! ثم دخولهم به دورات المياه لقضاء حاجتهم فهذا لا يجوز ولا ينبغي. القرآن يجل ويعظم وينزه أن يسلك به هذا المسلك السيء القرآن أنزله الله هدى، قال الله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) الإسراء الآية ٨٢. فتعليق القرآن على هذه الكيفية لا يجوز، بل لا بد من محي القرآن وإزالته عن هذه المعلقات من ذهب أو غيره لأن فيها امتهان للقرآن وكذلك فإن دخولهم لدورات المياه وللحمامات ولأمكنة قضاء الحاجة وهم حاملون للقرآن فلا يجوز بكل حال بل لا بد من إزالة القرآن تعظيماً له وتوقيراً عن مثل هذا الصنيع كما قرره أهل العلم] فتاوى المرة المسلمة ١/٤٥٨.