يقول السائل: ما هي الأعمال التي يقوم بها المسلم في عيد الفطر، أفيدونا؟
الجواب: ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) رواه أبو داود وأبو يعلى والحاكم وصححه، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم ١٠٠٤، فعيد الفطر يوم مبارك من أيام الله عز وجل، فهو واقع في آخر عبادة الصوم، وللمسلم أعمالٌ كثيرةٌ ينبغي أن يقوم بها في عيد الفطر ومنها: أولاً: التكبير ويبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، أي من ليلة العيد ويدل على ذلك قول الله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة البقرة الآية ١٨٥.قال زيد بن أسلم:{ولتكبروا الله على ما هداكم} إذا رأى الهلال، فالتكبيرُ من حين يَرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمامُ كفّ فلا يكبرِّ إلا بتكبيره) ،
وصفة التكبير كما وردت عن ابن مسعود رضي الله عنه: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) ذكره ابن أبي شيبة في المصنف. ويكون التكبير في عيد الفطر جهراً، وهو قول جمهور الفقهاء، واحتجوا بقوله تعالى:{ولتكبروا الله على ما هداكم} قال ابن عباس: هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على قوله تعالى: {ولتكملوا العدة} والمراد بإكمال العدة بإكمال صوم رمضان. ولما روى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلى] الموسوعة الفقهية الكويتية ١٣/٢١٣-٢١٤. ثانياً: يستحب الغسل للعيد والتطيب والتزين والتجمل ولبس الملابس الجديدة، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب في العيدين والتجمل فيهما، ثم ذكر حديث ابن عمر قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هذه لباس من لا خلاق له) . فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك قلت (إنما هذه لباس من لا خلاق له. وأرسلت إليَّ بهذه الجبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها أو تصيب بها حاجتك) ] صحيح البخاري. ولما روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى) رواه ابن ماجة، ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة، فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه، ويستحب أن يتزين ويتنظف ويحلق شعره ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب ويتسوك، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة) أخرجه ابن مردويه، وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو لعيده) أخرجه ابن السكن في صحيحه، وقال الإمام مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد، والإمام بذلك أحق، لأنه منظور إليه من بينهم. وأفضل ألوان الثياب البياض، فعلى هذا إن استوى ثوبان في الحسن والنفاسة فالأبيض أفضل، فإن كان الأحسن غير أبيض فهو أفضل من الأبيض في هذا اليوم. فإن لم يجد إلا ثوبا استحب أن يغسله للعيد. ويستوي في استحباب تحسين الثياب والتنظيف والتطيب وإزالة الشعر والرائحة الكريهة، الخارج إلى الصلاة والقاعد في بيته؛ لأنه يوم الزينة فاستووا فيه، ويستحب تزيين الصبيان ذكوراً كانوا أو إناثاً بالمصبغ وبحلي الذهب ولبس الحرير في العيد، قال النووي: اتفقوا على إباحة تزيينهم بالمصبغ وحلي الذهب والفضة يوم العيد؛ لأنه يوم زينة] الموسوعة الفقهية الكويتية ٣١/١١٥-١١٦. ثالثاً: يستحب أن يأكل تمرات قبل خروجه إلى صلاة العيد، قال الإمام البخاري في صحيحه:[باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) ] صحيح البخاري. رابعاً: إخراج زكاة الفطر قبل الخروج إلى صلاة العيد لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. خامساً: كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في مصلى العيد، وهو ليس المسجد النبوي وإنما كان أرض خلاء، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بإخراج النساء يشهدن الصلاة ويسمعن الذكر حتى الحيض منهن، فقد جاء في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى:(والحيّض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس) رواه مسلم، والعواتق أي الشابات، والحيّض: جمع حائض، وذوات الخدور: ربات البيوت. وعن جابر رضي الله عنه قال:(شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكأً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن) رواه مسلم. وأصح ما ورد في صفة صلاة العيد وعدد التكبيرات الزوائد ما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم:(كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة، وقال الحافظ العراقي إسناده صالح، ونقل الترمذي تصحيحه عن الإمام البخاري. ويكون التكبير قبل القراءة وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة. سادساً: تستحب التهنئة بالعيد والدعاء فيه، فقد ورد في الحديث عن محمد بن زياد قال:[كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض يتقبل الله منا ومنك] قال الإمام أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد وجوَّده أيضاً العلامة ابن التركماني، الجوهر النقي ٣/٣١٩. ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال:[ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك] . وقال حرب:[سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قيل وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد: قال: لا] المغني ٢/٢٩٥-٢٩٦. وسئل الإمام مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد تقبل الله منا ومنك يريد الصوم فقال: ما أعرفه ولا أنكره، قال ابن حبيب المالكي معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله، لأنه قول حسن ولأنه دعاء. وقد عقد الإمام البيهقي باباً في سننه الكبرى بعنوان:[باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك] . ثم ساق فيه بعض الأحاديث الواردة في ذلك وضعّفها وساق فيه أيضاً أثراً عن عمر بن عبد العزيز فقال:[عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين، فيردَّ علينا ولا ينكر ذلك علينا] سنن البيهقي ٣/٣١٩. وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فلا بأس أن يعمل بها في مثل هذا الأمر الذي يُعد من فضائل الأعمال، وخاصة إذا أضفنا إليها الحديث الذي لم يذكره البيهقي وهو حديث أبي أمامة المذكور سابقاً، وخلاصة الأمر أنه لا بأس أن يقال في التهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أو نحوها من العبارات. سابعاً: زيارة الأقارب والأرحام والأصدقاء وتفقد الأيتام والأرامل وعائلات الشهداء والأسرى، وهذا ليس خاصاً بالعيد، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يا أيها الناس! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم١٣٨٢٢. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة) رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري. وقال العلامة الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب ٢/٦٧٦. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:(أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو قسوة قلبه؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) رواه الطبراني وقال العلامة الألباني حسن لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب ٢/٦٧٦. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة الأمر أن أعمال المسلم في عيد الفطر كثيرة وهي أعمال صالحة، وينبغي للمسلم أن يحرص عليها اقتداءً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.