للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٣ - حكم استثمار أموال الزكاة]

يقول السائل: هل يجوز للجان الزكاة أن تقوم بإستثمار أموال الزكاة في مشاريع إقتصادية تعود بالنفع على الفقراء والمساكين وبقية المستحقين للزكاة؟

الجواب: من المعلوم أن الزكاة واجبة على الفور، على الراجح من أقوال أهل العلم ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) سورة الأنعام/١٤١. ويدل على ذلك أيضاً، ما ثبت في الحديث الصحيح عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: (صلى الرسول صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع ثم دخل بيته فلم يلبث أن خرج، فقلت له، أو قيل له، فقال: كنت خلَّفت في البيت تبراً من الصدقة فكرهت أن أبيَّته فقسمته) رواه البخاري. وقال الإمام النووي: " قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء " المجموع ٥/٣٣٥. واستثمار أموال الزكاة فيما أرى أنه يتعارض مع الفورية في إيصال الزكاة إلى مستحقيها، ممن ذكرهم الله سبحانه وتعالى في آية مصارف الزكاة، لأن استثمار أموال الزكاة في المشاريع المختلفة يؤدي إلى انتظار أرباحها، وبالتالي يؤدي إلى تأخير توزيعها. كما أن استثمار أموال الزكاة قد يعرضها للخسارة، لأن التجارة والإستثمار تحتمل الربح والخسارة. كما وأنه يخشى على أموال الزكاة إذا استثمرت من الضياع إذا تولتها أيد غير أمينة، وخاصة أننا نعيش في مجتمع قد خربت فيه ذمم كثير من الناس وكثر فيه الطمع وقَّل فيه الورع. هذا هو الأصل في المسألة. وبالرغم مما قلت وبينت، إلا أنه يجوز في ظروف خاصة استثمار أموال الزكاة إذا توفرت بعض الشروط وهي: أولاً: أن يتم تغطية الحاجات المستعجلة للفقراء والمساكين وبقية المستحقين للزكاة، فإن فاضت أموال الزكاة وزادت عن سد الحاجات الأساسية للمستحقين لها - وما أظنها في مجتمعنا تفيض أو تزيد - فحينئذ يجوز استثمار أموال الزكاة، وأما إن لم تكف أموال الزكاة الحاجات الأساسية للمستحقين لها فلا يصح تأخير صرف الزكاة بحجة استثمارها. ثانياً: أن يتم استثمار أموال الزكاة في مجالات مشروعة، فلا يجوز استثمارها في البنوك الربوية مقابل الربا (الفائدة) . ثالثاً: أن لا توضع أموال الزكاة في مشاريع استثمارية إلا بعد دراسة الجدوى الإقتصادية من تلك المشاريع، وأنه يغلب على الظن أن تكون رابحة بإذن الله. رابعاً: أن يتولى الإشراف على استثمار أموال الزكاة أيد أمينة تقية زاهدة في تلك الأموال ومتبرعة بالعمل لله تعالى، انظر أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ٢/٥١٦ فما بعدها. خامساً: أن ينتفع من الأموال المستثمرة وأرباحها المستحقون للزكاة فقط. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي جواز استثمار أموال الزكاة من حيث المبدأ، فقد جاء في القرار ما يلي: يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع مال الزكاة وتوزيعها على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر، مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد ٣ ج١/٤٢١. ومما يستأنس به لجواز استثمار أموال الزكاة، ما ورد عن النبيصلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أنهم كانوا يستثمرون أموال الصدقة من إبل وغنم، كما في قصة العرنيين الذين وفدوا على المدينة ثم مرضوا، فأمرهم الرسولصلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل صدقة فيشربوا ألبانها.... الخ) الحديث الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه. وكذلك ورد في الحديث عن أنس بن مالكرضي الله عنه قال: (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال: بلى، حلسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، فقال: إئتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول اللهصلى الله عليه وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ فقال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهم قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: إشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فشد رسول اللهصلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال: إذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب خمسة عشر درهماً فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، وإن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع) رواه أبو داود والبيهقي، وقال الشيخ الألباني: صحيح لشواهده، انظر صحيح الترغيب والترهيب ١/٣٥٠. وقاسوا استثمار أموال الزكاة على استثمار أموال الأيتام كما ورد في الحديث (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي وهو مرسل رجاله ثقات ويتقوى بما ورد عن الصحابة، وقال العراقي إسناده صحيح، انظر إرواء الغليل ٣/٢٦٠. وقالوا أيضاً: إن معنى سداد العيش الوارد في الحديث الشريف، يدل على أن سداد العيش المستثمر بعمل الفقير القادر على العمل في أموال الزكاة المستمرة أولى وأفضل من أن يعطى لفترة قصيرة ويعود مستحقاً " مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد ٣ ج١/٣٧٢. وقالوا أيضاً: إن أموال الزكاة التي تصرف مباشرة على المستحقين، فإن هؤلاء المستحقين ينتفعون منها انتفاعاً آنياً، أما الأموال التي تستثمر في مشاريع فإن نفعها سيستمر ويعود النفع على المستحقين باستمرار، وإن عملية استثمار أموال الزكاة ما هي إلا من باب تنظيم صرف الزكاة. وخلاصة الأمر، فإن الأصل العام في هذه المسألة هو عدم جواز استثمار أموال الزكاة إلا في حالات خاصة وبالشروط التي ذكرتها، لأن الفورية في إيصال الزكاة لمستحقيها أمر واضح من الأدلة الشرعية، ولأن الزكاة شعيرة من شعائر الإسلام التي يجب المحافظة عليها محافظة تامة، ولا ينبغي فتح هذا الباب خشية أن يؤدي إلى ضياع حقوق المستحقين للزكاة وحتى لا يدخل من هذا الباب الطامعون في أموال الزكاة، فتضيع هذه الأموال بحجة الاستثمار. وأخيراً أؤكد على أنه بالنظر إلى حالة الفقر المنتشرة في بلادنا، بسبب الظروف التي نعيشها، فإني أعتقد أن أموال الزكاة التي تجمع، لا تفي بحاجات الفقراء والمساكين الأصلية حتى تقوم لجان الزكاة باستثمارها. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>