[٤٣ - الصلاة بين السواري في المسجد الأقصى المبارك]
يقول السائل: كما تعلمون فإنه يوجد في المسجد الأقصى المبارك عدد كبير من الأعمدة (السواري) والناس يصلون بينها وقد قال بعض المشايخ بأن الصلاة بين السواري لا تصح فما قولكم في ذلك؟
الجواب: وردت بعض الأحاديث التي تدل على كراهية الصف بين السواري فمن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده عن عبد الحميد بن محمود قال: (صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري. وبه يقول أحمد وإسحق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ٢/١٩.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: [كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً] رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث كراهية الصف بين السواري لغير حاجة من ضيق ونحوه. وكراهية الصف بين السواري لا تعني بطلان الصلاة وعدم صحتها بل الصلاة صحيحه مع الكراهة.
وأما إن كان هنالك حاجة للمصلين أن يصفوا بين السواري نظراً لضيق المسجد وكثرة المصلين أو لأن ترك الصف بين السواري سيؤدي إلى عدم اتصال الصفوف كما هو الحال في المسجد الأقصى فلا كراهة في الصف بين السواري قال الإمام مالك: [لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد] .
وقال الحافظ ابن حجر: [قال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق] فتح الباري ١/٧٤٧.
وقد نقل عن جماعة من أهل العلم جواز الصلاة بين السواري كما سبق في كلام الترمذي ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن سيرين قال: [لا أعلم بالصلاة بين السواري بأساً] .
وروى بإسناده أن سعيد بن جبير كان يؤمهم بين ساريتين. مصنف ابن أبي شيبة ٢/٣٧٠.
وكذلك رخص جماعة من الفقهاء في الصلاة بين السواري فقد ورد عن الإمام أحمد أنه لا يكره ذلك ورخص فيه ابن سيرين ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر. انظ غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام ٦/٣٤٣.
وكلام هذه الطائفة من أهل العلم يمكن حمله على أن عدم الكراهة يكون في حال عدم الحاجة: [ويكره ذلك بلا حاجة فإن كان ثم حاجة كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره] المصدر السابق.
ومما يؤكد لنا هذا المعنى أنه قد ورد في رواية حديث عبد الحميد عند ابن حبان: [وهو الحديث الأول المذكور سابقاً] قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك بين السواري ... إلخ. صحيح ابن حبان ٥/٥٩٧. فهذا أنس رضي الله عنه قد صلى بين السواري ولو كانت الصلاة بين السواري باطلة لما صلى أنس رضي الله عنه. وبناء على ما تقدم فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على إبطال صلاة أي أحد بدون دليل صحيح فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على التحريم فإن كثيراً من النواهي الشرعية تدل على الكراهة التنزيهية وكذلك فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على البطلان والفساد فمثلا ورد النهي عن التخصر في الصلاة رواه البخاري ومسلم وحمله جمهور العلماء على الكراهة ولم يقولوا بإبطال صلاة المتخصر وهنالك أمثلة كثيرة على أن النهي لا يفيد بطلان المنهي عنه دائماً وأخيراً فلا بد من التنبيه على أنه يجب على كل من يفتي أن يكون على معرفة ودراية بقواعد علم أصول الفقه فإن ذلك من شروط المفتي. ومن لا يعرفها فليس أهلاً للفتوى.
وخلاصة الأمر أن الصلاة بين السواري في المسجد الأقصى صحيحة لأن بناء المسجد الأقصى قائم على عدد كبير من السواري ولا يمكن للصفوف أن تتم بدون الوقوف بين السواري. ولا ينبغي لأحد أن يتشدد في هذه المسألة وأمثالها مما يؤدي إلى حدوث بلبلة بين المصلين وإلى تشكيك الناس في صحة صلاتهم.