يقول السائل: أطلعني أحد الأصدقاء على نشرة يوزعها الناس بعنوان " أدعية مختارة "تتضمن عدداً من أدعية الاستغفار وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم ومجموعة من الأحاديث في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومجموعة أخرى من الأحاديث في صلوات الأيام والليالي.
الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتشر انتشاراً كبيراً وقد كانت الدوافع وراء ذلك الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم عديدة كالزندقة والتعصب المذهبي أو لغرض دنيوي أو نحو ذلك. وكان من أخطر دوافع الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ما قام به جماعة من الزهاد والعباد الذين أرادوا أن يحثوا الناس على فعل الخيرات كما زعموا فكذبوا الأحاديث في الترغيب والترهيب. قال العلامة اللكنوي مبيناً أصناف الكذابين على الرسول صلى الله عليه وسلم:[...الثالث قوم كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس على الخير ويزجروهم عن الشر وأكثر أحاديث صلوات الأيام والليالي من وضع هؤلاء ومن هؤلاء من كان يظن أن هذا جائز في الشرع لأنه كذب للنبي صلى الله عليه وسلم لا عليه ...] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص ١٥. ثم نقل اللكنوي عن أحد الكذابين على الرسول صلى الله عليه وسلم والذي اخترع مجموعة من الأحاديث في فضائل القرآن سورة سورة فقال:[إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة ...] المصدر السابق ص ١٥. أقول: وكاتب هذه النشرة محل السؤال من هذا الصنف فإنه كما يزعم يرغب الناس في الذكر والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويرغبهم في صلوات محددة لكل ليلة من ليالي الأسبوع وكل ذلك بواسطة ذكر أحاديث مكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم وما درى هذا المغفل أن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب وأنه لا فرق بين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب له كما زعم جهلة العباد والزهاد. وأسوق لك أخي القارئ بعض الأحاديث المكذوبة في صلوات الأيام والليالي كما ذكرها كاتب النشرة ثم أبين كلام العلماء فيها: ١. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الجعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته يقول: " يا حيّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام " مائة مرة آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقه ومن أهوال يوم القيام ولا يقوم من مقامه لا جائعاً ولا ظمآناً ويكسى حلة من النور ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده في الجنة) . ٢. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة السبت ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص إحدى وثلاثين مرة أخرج الغل والمكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه ويجمع الله في قلبه النور والرحمة والرأفة ويلبسه يوم القيامة المغفرة ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر ويبنى له بكل ركعة قصراً في الجنة) . ٣. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الأحد ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص سبع مرات أعطاه الله ثواب الشاكرين والصابرين وأعمال المطيعين وكتب الله له عبادة سنتين ولا يقوم من مقامه إلا مغفوراً له ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده من الجنة) . ٤. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الاثنين عشر ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة فينادي منادي يوم القيامة أين فلان بن فلانة يقوم يأخذ ثوابه من الله تعالى فأول ما يعطيه من الثواب ألف حلة من النور ويتوج بتاج من نور ويدخل الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويستقبله ألف مَلَكْ يسير كل مَلَكٍ بهدية وترون له ألف قصر من النور يتلألأ) . ٥. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الثلاثاء ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص والمعوذتين فإذا فرغ من صلاته يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت أبداً بيده الخير وهو على كل شيء قدير " سبعين مرة أعطاه الله بكل حرف عشر حوريات من الحور العين على كل واحدة منهن سبعون حلة من النور ويبني له عشر مدينات في كل مدينة ألف قصر وله من الثواب ما لا يصفه الواصفون) . ٦. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الأربعاء أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص مائة مرة فإذا فرغ من صلاته ينام ووجهه إلى القبلة فإنه يراني وكأنما اشترى نفسه من الله تعالى) . ٧. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ليلة الخميس ثماني ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص عشر مرات فإذا فرغ من صلاته يقول: " لا إله إلا الله الملك الحق المبين محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين " مائة مرة بنى الله له في الجنة ثمانمائة قصر من ياقوتة حمراء ويصرف عنه كل شيطان مريد) . هكذا وردت هذه الأحاديث المكذوبة في النشرة المشار إليها. وقد وردت عدة روايات أخرى كثيرة لهذه الأحاديث المكذوبة في بعض الكتب وقد بين المحققون من علماء الحديث حال هذه الأحاديث وبينوا أنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العلامة ابن القيم مبيناً الأمور الكلية التي يعرف بها كون الحديث موضوعاً أي مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:[ومنها أحاديث صلوات الأيام والليالي كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع كل أحاديثها كذب ...] المنار المنيف ص ٩٥. وقال العلامة ابن القيم في موضع آخر مبيناً كذب أحاديث صلوات الأيام والليالي: [ومن ذلك حديث: من صلى يوم الأحد أربع ركعات بتسليمة واحدة يقرأ في كل ركعة (الحمد لله ...) و (آمن الرسول ...) كتب الله له ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة وبكل ركعة ألف صلاة وجعل بينه وبين النار ألف خندق ...] فقبح الله واضعه ما أجرأه على الله ورسوله. [ومن ذلك حديث: من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كلى ركعة فاتحة الكتاب مرة و (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) خمس عشرة مرة أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عشر مرات وعمل بما في القرآن ويخرج يوم القيامة من قبره ووجه مثل القمر ليلة البدر ويعطيه الله بكل ركعة ألف مدينة من لؤلؤ في كل مدينة ألف قصر من زبرجد في كل قصر ألف دار من ياقوت في كل دار ألف بيت من المسك في كل بيت ألف سرير ...] واستمر هذا الكذاب الأشر على الألف. [ومن ذلك حديث: من صلى ليلة الاثنين ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وعشرين مرة (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) ويستغفر الله بعد ذلك عشرة مرات أعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف صدّيق وألف عابد وألف زاهد ...] فقبح الله واضعه ومختلقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الجويباري الخبيث. [ومن ذلك حديث: من صلى يوم الاثنين أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة و (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) مرة و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقْ) مرة كفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصراً إلى الجنة من درة بيضاء في جوف القصر سبعة أبيات طول كل بيت ثلاثة آلاف ذراع ...] . واستمر هذا الكذاب الخبيث على حديث طويل فيه من هذه المجازفات!! وهو من عمل الحسين بن إبراهيم كذاب يروي عن محمد بن طاهر وضع من هذا الضرب أحاديث صلاة يوم الأحد وليلة الأحد وصلاة يوم الاثنين وليلة الاثنين ويوم الثلاثاء وليلة الثلاثاء وهكذا في سائر أيام الأسبوع ولياليه. المنار المنيف ص ٤٨-٥٠. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر طائفة من الأحاديث المكذوبة:[... وأشد من ذلك ما يذكره بعض المصنفين في الرقائق والفضائل في الصلوات الأسبوعية والحولية كصلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت المذكورة في كتاب أبي طالب وأبي حامد وعبد القادر غيرهم. وكصلاة الألفية التي في أول رجب ونصف شعبان والصلاة الإثني عشرية التي في أول ليلة جمعة من رجب والصلاة التي في ليلة سبع وعشرين من رجب وصلوات أخرى تذكر في الأشهر الثلاثة وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك كذب عليه ...] مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٤/٢٠١-٢٠٢. وقال شارح إحياء علوم الدين:[وليس يصح في صلوات أيام الأسبوع ولياليه شيء] .
وقد ضعف الحافظ العراقي أحاديث صلوات الليالي والأيام التي ذكرها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين. انظر تخريج العراقي لأحاديث إحياء علوم الدين ١/١٩٨-٢٠١. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن الأحاديث الصحيحة في الترغيب والترهيب تغنينا عن هذه الموضوعات والمكذوبات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. *****