يقول السائل: كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة مع ربط ذلك بما عليه خطباء المسلمين؟
الجواب: لا شك أن خير الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن من يطلع على هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام ليعجب مما يفعله كثير من خطباء اليوم في خطب الجمعة والعيدين وغيرها، فخطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقريراً لأصول الإيمان، من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فتملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً كما كان عليه الصلاة والسلام يعلم الصحابة في خطبه قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم ... ألخ.
وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ آيات من القرآن الكريم في خطبته أحياناً سوراً من القرآن كسورة (ق) كما ثبت في الحديث عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنهما قالت: (ما أخذت (ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس) رواه مسلم وأحمد وغيرهما. وكان من هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام تقصير الخطبة وإطالة الصلاة فقد ثبت في الحديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة) رواه مسلم. والمئنة هي العلامة. أي أن قصر الخطبة وطول الصلاة علامة على فقه الخطيب. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة) رواه النسائي وإسناده صحيح. وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش. هذا بعض ما جاء في الهدي النبوي في خطبة الجمعة ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم يرحمه الله. تلكم الصورة المشرقة التي كان عليها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة. وإذا نظرنا إلى الصورة الواقعة في مساجدنا فماذا نرى؟ إن بعض الخطباء لا يكادون يقرؤون آية من القرآن في خطبهم ويكادون لا يذكرون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرى أن كثيراً منهم يركزون خطبهم على موضوع واحد وكأن الإسلام محصور فيه قط. فمثلاً نجد كثيراً من الخطباء لا يخطبون إلا في الموضوع السياسي للأمة أضف الى ذلك ما يضيفه بعض الخطباء على خطبهم من السباب والشتائم. ولا شك أن الموضوع السياسي مهم جداً ولكن الإسلام ليس مقصوراً عليه وخاصة أن كثيراً من الكلام الذي يقال هو مجرد كلام نظري لا يجد طريقه إلى أرض الواقع، وإنما العملية مجرد تنظير فلسفي فقط والناس في زماننا يحتاجون إلى التبصير في أمور دينهم كلها فيجب على الخطباء أن يتناولوا مختلف قضايا المسلمين وما يهمهم في الدنيا والآخرة. كذلك نجد أن بعض الخطباء يطيلون الخطبة طولاً يصيب المصلين بالسآمة والملل فإذا قاموا إلى الصلاة قرأ الإمام أقصر سور القرآن الكريم.
ومن الأمور المخالفة لهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة أن بعض الخطباء يقصرون الخطبة الثانية على الدعاء فقط ولا يذكرون فيها شيئاً من الوعظ والإرشاد والترغيب والترهيب. أضف إلى ذلك أن كثيراً من الخطباء يستشهدون بالأحاديث دون التثبت من صحة نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فكم مرة سمعنا الخطيب يملأ فمه قائلاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ... ويكون الحديث مكذوباً على الرسول صلى الله عليه وسلم أو ضعيفاً واهياً. فواجب الخطيب أن يتأكد من درجة الأحاديث التي يستشهد بها في خطبته بالرجوع إلى كتب أهل الحديث. ولا يكفي أن يأخذ الخطيب حديثاً من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري مثلاً دون أن يعرف اصطلاح الإمام المنذري الذي ذكره في مقدمة كتابه فهذه مسؤولية وأمانة وخاصةً أن عامة الناس يتلقفون تلك الأحاديث من أفواه الخطباء فيكون ذلك سبباً في انتشارالأحاديث المكذوبة والواهية بين الناس.
ومن الأمور المؤسفة أن كثيراً من الخطباء يسكتون عن البدع التي تقع في المساجد يوم الجمعة وغيره والمخالفة للهدي النبوي دون أن يحركوا ساكناً لإنكارها بل أن بعضهم يعمل على نشرها قولاً وفعلاً. ومن الأمور اللافتة للنظر أن بعض الخطب تكون على شكل البيانات الرسمية والمراسيم الحكومية، وليس لها نصيب من الخطبة إلا في الإسم فقط. هذا فضلاً عن كثرة الأخطاء النحوية والأخطاء في تلاوة الآيات القرآنية التي يقع فيها كثير من الخطباء. وختاماً أدعو كل من يتصدى للخطابة أن ينهل من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن تكون الخطبة على منوال خطب النبي عليه الصلاة والسلام.