للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥٣ - الحجاب الشرعي]

يقول السائل: ما قولكم فيمن كفر شيخ الأزهر بسبب موقفه من قضية الحجاب في فرنسا؟

الجواب: إن الحجاب أو الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى وهي قضية مسلَّمة بين علماء الأمة قديماً وحديثاً لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الأحزاب الآية ٥٩. فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: (قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) سورة النور الآيتان ٣٠-٣١. وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (أنها كانت عند أختها عائشة وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص ٥٩. وغير ذلك من الأدلة.

وما قاله شيخ الأزهر طنطاوي حول الحجاب ونصه (مسألة الحجاب للمرأة المسلمة فرض إلهي، وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله على ذلك؛ ولذلك لا يستطيع أي مسلم سواء كان حاكمًا أو محكومًا أن يخالف ذلك، ولا نسمح لغيرنا أن يتدخل في ئوننا كدولة مسلمة هذا إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة إسلامية، أما إذا كانت تعيش في دولة غير إسلامية كفرنسا، وأراد المسئولون بها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين... في هذه الحالة عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة، تكون من الناحية الشرعية في حكم المضطر) انتهى كلام شيخ الأزهر.

وأقول إن كلام طنطاوي شيخ الأزهر فيه حق وباطل أما ما قاله عن فرضية الحجاب فهو حق وأما ما زعمه من (حرية فرنسا أن تقرر قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين) فهذا كلام باطل وموقفه هذا خذلان لمسلمات فرنسا وغيرهن من المسلمات اللواتي يعشن في غير العالم الإسلامي وفي كلام شيخ الأزهر فتح لباب شر واسع على المسلمين في الغرب فغداً ستحذو دول أخرى حذو فرنسا في اتخاذ قرارات بمنع الحجاب وماذا لو اتخذت دول الغرب قرارات بمنع إقامة صلاة الجمعة أو إغلاق المساجد أو منع المسلمين من الأضحية وغير ذلك مما يطمس شخصية المسلمين في الغرب؟!! وكان الواجب الشرعي على شيخ الأزهر أن يطالب الحكومة الفرنسية بإتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين وفق مبادىء الحرية التي تتغنى بها فرنسا أم أن الحرية إذا وصلت للمسلمين فإنها تتوقف!! إنه لأمر مؤسف ومحزن أن يتمكن وزير داخلية فرنسا من انتزاع صك من مشيخة الأزهر يستند إليه في تشريع قانون حظر الحجاب!! إن واجب علماء الأمة أن ينكروا على شيخ الأزهر موقفه السابق وقد حصل هذا الإنكار من عدد كبير من العلماء فقد أنكر عدد من العلماء كلام شيخ الأزهر، واعتبروه باطلاً ولا أصل له في الشرع ولكن ينبغي الحذر الشديد من السقوط في منزلق التكفير حيث إن بعض الناس تسرعوا في تكفير شيخ الأزهر وإخراجه من ملة الإسلام والمسلمين وهذا كلام خطير جداً يجب التحذير منه فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه) وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) . رواه البخاري وفي رواية عند مسلم قال: (ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) . أي رجع عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته] مجموع فتاوى ابن تيمية ١٢/ ١٨٠. وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [للحكم بتكفير المسلم شرطان: أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر. الثاني: إنطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له فإن كان جاهلاً لم يكفر لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) سورة النساء الآية ١١٥. وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) سورة التوبة الآية ١١٥. وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) سورة الإسراء الآية ١٥. لكن إن فرط بترك التعلم والتبين لم يعذر مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ. وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه كقول صاحب البعير الذي أضلها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه فقال: [اللهم أنت عبدي وأنا ربك] أخطأ من شدة الفرح] فتاوى العقيدة ص٢٦٣-٢٦٤.

وخلاصة الأمر أن الإقدام على التكفير أو التفسيق بغير دليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعتبر جرأة على دين الله وقولاً على الله بغير علم وهو على خلاف طريقة أهل العلم من سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. فالحذر الحذر من إطلاق ألفاظ التكفير أو التفسيق أو التبديع بغير حجة ولا برهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>