للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٤٩ - حكم السندات]

يقول السائل: إنه أراد أن يشتري أسهماً في إحدى الشركات المساهمة العامة واطلع على النظام الداخلي للشركة فوجد أن الشركة يحق لها إصدار سندات عند الحاجة لزيادة رأس المال ويسأل عن هذه السندات وما حكمها؟

الجواب: السندات نوع من الأوراق المالية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية المعاصرة وتسمى أحياناً شهادات الاستثمار وهي عبارة عن قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة. المعاملات المالية المعاصرة ص ١٧٦.

أو هو صك قابل للتداول يمثل قرضاً يعقد عادة بواسطة الاكتتاب العام وتصدره الشركات أو الحكومات ويعتبر حامل سند الشركة دائناً للشركة ويعطى حامل السند فائدة ثابتة سنوياً وله الحق في استيفاء قيمته عند حلول أجل معين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد ٦ جزء ٢ ص ١٢٨٣.

ويلاحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة ويستوفي حامل السند فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أو خسرت.

وخلاصة الأمر أن السند عبارة عن قرض ربوي مهما اختلفت أسماؤه وتعددت أوصافه.

وبناءً على أن السند قرض ربوي فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر بفائدة ثابتة معينة لذا لا يجوز إصدار السندات ولا تداولها والقول بتحريم السندات واعتبارها من الربا المحرم هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين.

لأن السند قرض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته الشريعة الإسلامية بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة الآية ٢٧٥.

وقد حاول بعض العلماء أن يخرج مسألة السندات على عقد المضاربة المعروف في الفقه الإسلامي ولكن هذا التخريج غير صحيح مطلقاً لأن السندات في حقيقتها قروض ربوية ولو سلمنا جدلاً بصحة تخريجها على المضاربة الشرعية فهي مضاربة فقدت شروط صحتها شرعاً كما قال الدكتور القرضاي: [والخلاصة أن شهادات الاستثمار من فئة (أ) و (ب) إما أنها من باب القرض بفائدة وهو الأمر الواضح بحسب قانون إنشائها أو من باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية ففقدت بذلك إذن الشرع فيها فهي محرمة على كلا الاحتمالين] فوائد البنوك هي الربا الحرام ص ١٠٢.

والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الذي ضم عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء المعاصرين فقد جاء في قرار المجمع ما يلي:

[وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً (خصماً) .

قرر:

١. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.

٢. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات.

٣. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار.

٤. من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها في القرار رقم ٥ للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي ٦/٢/١٧٢٥-١٧٢٦.

وختاماً أقول إن تعامل الناس بالربا في هذا الزمان قد عمّ وطمّ وغلب التعامل بالربا على أكثر معاملات الناس المعاصرة بسبب ارتباط الحياة الحديثة بالبنوك الربوية وقد وقع مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ليأتينّ على الناس زمان لا يبقى أحد منهم إلا أكل الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره) رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي.

ومع انتشار التعامل بالربا في زماننا إلا أن كثيراً من الناس يقدمون على التعامل به مختارين غير مكرهين ولا مضطرين وإلى هؤلاء وغيرهم أسوق بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به:

١. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيتان ٢٧٦-٢٧٧.

٢. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم.

٣. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.

٤. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا إثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ٣/٤٨٨.

٥. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير ١/٦٣٣.

٦. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير ١/٦٣٦ وغير ذلك من الأحاديث.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>