[٥ - الضوابط الشرعية لممارسة المرأة الألعاب الرياضية]
يقول السائل: ما مدى صحة الاستدلال بحديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى زوجاته، على ممارسة المرأة لمختلف الألعاب الرياضية أمام الرجال، أفيدونا؟
الجواب: ورد في الحديث (عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ، وهي جارية قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن - من البدانة وهي كثرة اللحم والسمنة - فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا ثم قال: تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم وبدنت، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني وابن ماجة وغيرهم وقال العلامة الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وقد صححه العراقي في تخريج الإحياء، السلسلة الصحيحة١/٢٠٤. وقد أخذ العلماء من هذا الحديث مشروعية الرياضة للنساء وفق الضوابط والشروط الشرعية التي سأذكرها لاحقاً، حيث أشار الحديث إلى ذلك عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يتقدموا، فتقدموا، ثم تسابق النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها. إذا تقرر هذا فلا بد من البيان أن الإسلام أباح الرياضة للرجال والنساء على حدٍ سواء، وفق ضوابط شرعية لا بد من الالتزام بها، وإن الإخلال بهذه الضوابط يخرج الرياضة عن دائرة الإباحة، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(المؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم، ولا شك أن الرياضة من أسباب قوة الجسم، ويجب أن يُعلم أن طبيعة جسد المرأة وتكوينها الخَلْقي يختلف عن طبيعة الرجل، فليس كل ما يناسب الرجل من أنواع الرياضة يناسب المرأة، ولا يجوز تقليد غير المسلمين فيما يفعلون ويمارسون من رياضات نسوية بحجج واهية، مثل مساواة المرأة مع الرجل وباسم التقدم والحضارة والإنعتاق من الإنغلاق، ونحو ذلك من الشعارات الخداعة. فهناك أنواع من الرياضة تمارسها النساء في الغرب لا يمكن أن تقرها شريعتنا الغراء، ولا يمكن أن تقبلها عادتنا وأعرافنا الطيبة. وقد قرر اللماء مجموعة من الضوابط والشروط الشرعية لممارسة المرأة للرياضة كما يلي: أولاً: لا بد للرياضة النسوية أن تكون منسجمة مع طبيعة المرأة وتكوينها الخَلْقي، فالمرأة لها طبيعتها وخصائصها المخالفة للرجل، وهذه سنة الله في خلْق الرجل والمرأة، قال الله تعالى:{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} سورة النساء الآية ٣٢، فيحرم على المرأة أن تمارس رياضةً لا تتفق مع خلقتها الأنثوية، كالمصارعة وكمال الأجسام ورفع الأثقال ونحوها من الرياضات، فإن فعلت ذلك فهي امرأة مترجلة، فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثةٌ لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) . وجاء في رواية أخرى:(ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء) وفيها: (فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي بمن دخل على أهله، قيل فما الرجلة؟ قال: التي تتشبه بالرجال) رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال العلامة الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن النسائي ٢/٥٤١، السلسلة الصحيحة حديث رقم ١٣٩٧. والمرأة المترجلة هي التي تتشبه بالرجال في زيهم وهيئتهم وأحوالهم. ثانياً: يحرم شرعاً على المرأة المسلمة كشف العورات في الرياضة وفي غير الرياضة، قال الله تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... } سورة النور الآية٣١، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب الآية ٥٩. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) رواه مسلم. قال الحافظ ابن عبد البر:[والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيقٍ سابغٍ وتخمر رأسها، فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها] الاستذكار ٥/٤٤٣. وبناءً على ذلك يحرم على المرأة أن تمارس أي نوع من أنواع الرياضة يؤدي إلى كشف العورات كما هو الحال في السباحة وكرة القدم وكرة السلة وغيرها، سواء كشفت عورتها أمام الرجال أو أمام النساء ضمن الحدود المعتبرة شرعاً في حد العورة في نطاق قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... } الآية. ثالثاً: يحرم الاختلاط أثناء ممارسة الرياضة النسوية، ويظهر هذا جلياً من خلال حديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حيث ورد فيه (فقال لأصحابه: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا ثم قال: تعالي أسابقك) فقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه تقدموا في حالتي السباق، يدل على منع ممارسة المرأة للرياضة في حال الاختلاط مع الرجال وكذا في حال حضورهم. رابعاً: لا تمارس المرأة الرياضة في حال حضور الرجال كما يحدث في مباريات كرة القدم وغيرها، وكذلك في حال تصوير الألعاب ونشر الصور سواء عبر الصحف والمجلات أو البث التلفزيوني ونحو ذلك من الوسائل. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث السابق حيث ورد فيه (فقال لأصحابه: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا ثم قال: تعالي أسابقك) . وكذلك فإن النظر إلى اللاعبات خاصة وهن في الملابس الرياضية يعتبر زناً شرعاً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) رواه البخاري ومسلم. خامساً: أن تخلو الرياضة من كل ما يلحق الأذى والضرر بالمرأة بشكل عام، فتحرم الملاكمة والمصارعة ونحوهما من الرياضات العنيفة، التي لا تخلو من إلحاق الضرر والأذى بمن يمارسها. جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي: [فقد نظر في موضوع الملاكمة والمصارعة الحرة من حيث عدهما رياضة بدنية جائزة، وكذا في مصارعة الثيران المعتادة في بعض البلاد الأجنبية، هل تجوز في حكم الإسلام أو لا تجوز. وبعد المداولة في هذا الشأن من مختلف جوانبه والنتائج التي تسفر عنها هذه الأنواع التي نسبت إلى الرياضة وأصبحت تعرضها برامج البث التلفازي في البلاد الإسلامية وغيرها. وبعد الاطلاع على الدراسات التي قدمت في هذا الشأن بتكليف من مجلس المجمع في دورته السابقة من قبل الأطباء ذوي الاختصاص، وبعد الاطلاع على الإحصائيات التي قدمها بعضهم عما حدث فعلاً في العالم نتيجة لممارسة الملاكمة وما يشاهد في التلفزة من بعض مآسي المصارعة الحرة، قرر مجلس المجمع ما يلي: أولا: الملاكمة: يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلاً في حلبات الرياضة والمسابقة في بلادنا اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاءً بالغاً في جسمه قد يصل به إلى العمى أو التلف الحاد أو المزمن في المخ أو إلى الكسور البليغة، أو إلى الموت، دون مسئولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كلياً وجزئياً في حكم الإسلام لقوله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا ضرر ولا ضرار) . على ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له:(اقتلني) أنه لا يجوز له قتله، ولو فعل كان مسئولاً ومستحقاً للعقاب. وبناءً على ذلك يقرر المجمع أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضةً بدنيةً ولا تجوز ممارستها، لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر، ويجب أن تحذف من برامج الرياضة المحلية ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية، كما يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية كي لا تتعلم الناشئة هذا العمل السيئ وتحاول تقليده. ثانيا: المصارعة الحرة: وأما المصارعة الحرة التي يستبيح فيها كل من المتصارعين إيذاء الآخر والإضرار به، فإن المجلس يرى فيها عملاً مشابهاً تمام المشابهة للملاكمة المذكورة، وإن اختلفت الصورة، لأن جميع المحاذير الشرعية التي أشير إليها في الملاكمة موجودة في المصارعة الحرة التي تجرى على طريقة المبارزة وتأخذ حكمها في التحريم. وأما الأنواع الأخرى من المصارعة التي تمارس لمحض الرياضة البدنية ولا يستباح فيها الإيذاء فإنها جائزة شرعاً ولا يرى المجلس مانعاً منها] . سادساً: أن لا يترتب على ممارسة الرياضة إخلال بالواجبات كتضييع الصلوات وإهمال المرأة لشؤون بيتها وأسرتها، أو وقوعٍ في المحرمات كالسباب والشتائم ونحوها أو سفر للمرأة بدون محرم. سابعاً: [الوقوف على القصد من تنظيم المسابقة: فلا يجوز أن تكون إقامة المسابقة الرياضية أياً كان شكلها " دوري" أو "كأس" مجرد تقليد للفكر الغربي، أو استجابة لمطالب لا تتناسب مع العرف القائم في بلادنا، وقد اتفق الفقهاء على اعتبار العرف في الاجتهاد الفقهي ... أما التقليد لذاته بما لا يتناسب مع أعرافنا، وما قد يتبعه من مفاسد أكبر من توافر الشروط الشرعية في الممارسة، فلا يجوز بناءً على اعتبار فقه المالآت في المسألة، إذ من المعلوم أن جهاز " الفيفا " الدولي يرصد مبالغ طائلة للدول الإسلامية للقيام بالألعاب الرياضية، ويشترط أن تنفق بعض النسب على الكرة النسائية، وهذا يعني أنه في بعض الأحيان تنشأ الفرق النسائية لأجل ما يأتي من الدعم المالي من الهيئات الدولية الرياضية، أو السعي وراء إثبات أن الدولة تعطي للمرأة حقوقاً إضافيةً حتى تحسن الصورة أمام الدول الغربية، دون مراعاة للأعراف والتقاليد، أو الالتفات إلى قواعد ومقاصد الشرع الحكيم، وهذا يُخرج المسألة من كونها تبيح للمرأة الممارسة، لأن المقصود ليس ممارسة النساء اللعبة الرياضية، ولكن غلب عليه مقاصد أخرى، والأمور بمقاصدها. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ تبعتموهم) . قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) . وكما ورد عن ابن مسعود:" لا يُقلدنَّ أحدُكم دينَه رجلاً، إن آمن؛ آمن، وإن كفر؛ كفر، فإنه لا أسوة في الشر" وليس بلازم أن يكون في بلد ممارسة معينة أن تنتقل إلى كل البلاد، فالاختلاف سنة في بني البشر، كما قال تعالى:{ولا يزالون مختلفين} .] عن إسلام أون لاين. وخلاصة الأمر أن الرياضة مشروعة للنساء والرجال وفق الضوابط الشرعية المذكورة أعلاه، وإن لم تتوفر هذه الضوابط فيحرم شرعاً على المرأة ممارسة الرياضة حينئذ، ويمكن الاستعاضة عن ذلك ببدائل مقبولة شرعاً كاللعب على الأجهزة الرياضية في البيت أو ممارسة الألعاب الرياضية في صالات خاصة بالنساء ونحو ذلك ضمن حدود الشريعة