للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٠ - حكم القراءة بالقراءات الشاذة]

يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم قرأ آيات من سورة الإسراء ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) حيث قرأ (أمّرنا) بتشديد الميم فما حكم ذلك؟ الجواب: من المعلوم أن القراءة المشهورة في بلادنا ويتداولها القراء وحفظة القرآن وطلاب العلم وغيرهم هي قراءة حفص بن سليمان الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي. وهذه القراءة من القراءات المتواترة وهي عشر قراءات على الراجح من أقوال أهل العلم. وقد اتفقوا على جواز القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة وأما ما عداها من قراءات فهي شاذة لم تثبت بطريقة التواتر فالقراءة الشاذة ما نقل قرآناً من غير تواتر واستفاضة أو ما عبر عنه بأنها ما دون القراءات العشر المتواترة التي قبلتها الأمة عن الأئمة العشرة.

ومن القراءات الشاذة قراءة (أمّرنا) بتشديد الميم من الآية المذكورة في السؤال حيث نص علماء القراءات على أنها قراءة شاذة كما في المختصر في شواذ القرآن ص ٧٩ وفي كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القرآن ٢/٦٠ وبما أن هذه القراءة شاذة فلا تصح القراءة بها في الصلاة وغيرها بل نقل الحافظ ابن عبد البر الإجماع على ذلك فقال: [الذي عليه جماعة الأمصار من أهل الأثر والرأي أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ في صلاته نافلة كانت أو مكتوبة بغير ما في المصحف المجتمع عليه سواء كانت القراءة مخالفة له منسوبة لابن مسعود أو إلى أبي أو إلى ابن عباس أو إلى أبي بكر أو عمر أو مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم] الاستذكار ٨/٤٧-٤٨.

وقال الإمام النووي: [وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، وسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى بيان اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأ بالشواذ أو قرأ بها وقال أصحابنا وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالماً وإن كان جاهلاً لم تبطل ولم تحسب له تلك القراءة وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها. قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلاً به أو بتحريمه عرف بذلك فإن عاد إليه أو كان عالماً به عزر تعزيراً بليغاً إلى أن ينتهي عن ذلك ويجب عل كل متمكن من الإنكار عليه ومنعه الإنكار والمنع] التبيان في آداب حملة القرآن ص٥٠-٥١.

وقال الإمام النووي أيضاً: [قال أصحابنا وغيرهم تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة لأنها ليست قرآناً فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وكل واحدة من السبع متواترة هذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه ومن قال غيره فغالظ أو جاهل وأما الشاذة فليست متواترة فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتها في الصلاة أو غيرها وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ وقد ذكرت قصة في التبيان في آداب حملة القرآن ونقل الإمام الحافظ

أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها قال العلماء فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلاً به أو بتحريمه عرف ذلك فإن عاد إليه بعد ذلك أو كان عالماً به عزر تعزيراً بليغاً إلى أن ينتهي عن ذلك ويجب على كل مكلف قادر على الإنكار أن ينكر عليه] المجموع ٣/٣٩٢.

وقال ابن عابدين الحنفي: [القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتفاق هو المضبوط في مصاحف الأئمة التي بعث بها عثمان ? إلى الأمصار وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة وهذا هو المتواتر جملة وتفصيلاً فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذ وإنما الشاذ ما وراء العشرة وهو الصحيح] حاشية ابن عابدين ١/٤٨٦.

وقال الزركشي: [قال أبو شامة رحمة الله وقد ورد إلى دمشق استفتاء من بلاد العجم عن القراءة الشاذة هل تجوز القراءة بها وعن قراءة القارىء عشراً كل آية بقراءة قارىء فأجاب عن ذلك جماعة من مشايخ عصرنا منهم شيخا الشافعية والمالكية حينئذ وكلاهما أبو عمر وعثمان يعنى ابن الصلاح وابن الحاجب قال شيخ الشافعية: يشترط أن يكون المقروء به على تواتر نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا واستفاض نقله بذلك وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول فما لم يوجد فيه ذلك ما عدا العشرة فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة وممنوع منه ممن عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك وواجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد منها ما يتعلق بعلم العربية لا القراءة بها هذا طريق من استقام سبيله ... ويجب منع القارىء بالشواذ وتأثيمه بعد تعريفه وإن لم يمتنع فعليه التعزير يشرطه وأما إذا شرع القارىء في قراءة فينبغي ألا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام متعلق بما ابتدأ به وما خالف هذا فمنه جائز وممتنع وعذره مانع من قيامه بحقه والعلم عند الله تعالى. وقال شيخ المالكية رحمه الله: لايجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها عالماً بالعربية كان أو جاهلاً.] البرهان في علوم القرآن ١ /٣٣٢ – ٣٣٣.

وخلاصة الأمر أن قراءة (أمّرنا) بتشديد الميم من الآية المذكورة في السؤال قراءة شاذة تحرم القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة محافظة على كتاب الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>