[١٤ - تعجيل صدقة الفطر]
يقول السائل: هل يجوز لي أن أعجل صدقة الفطر من أول رمضان لأن لي جاراً فقيراً وهو بحاجة ماسة. أفيدونا؟
الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على وجوب صدقة الفطر. وقد ثبتت صدقة الفطر بأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: حديث ابن عمررضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم.
ووقت وجوب صدقة الفطر محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من يرى أنها تصير واجبة بغروب الشمس ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر من رمضان. وقالت جماعة أخرى من العلماء إن وقت وجوبها هو طلوع الفجر من يوم العيد.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [فأما وقت الوجوب فهو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان ... وبما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوري وإسحاق ومالك في إحدى الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه. وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهو رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد , فلم يتقدم وجوبها يوم العيد وهو رواية عن مالك كالأضحية ولنا قول ابن عباس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث) ولأنها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال , وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره والأضحية لا تعلق لها بطلوع الفجر ولا هي واجبة ولا تشبه ما نحن فيه] المغني٣/٨٩ وينبغي إخراجها قبل صلاة العيد فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه. وقد أورد ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: [يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى الآيتان ١٤-١٥. انظر فتح الباري ٣/٤٧٢. وقد أجاز العلماء تعجيل صدقة الفطر عن وقت الوجوب فمنهم من قال يجوز تعجيلها من أول العام. ومنهم من قال يجوز تعجيلها من أول الشهر. ومنهم من قال يجوز تعجيلها من نصف الشهر. ومنهم من قال يجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين وهذا القول الأخير هو أرجح أقوال العلماء في المسألة ويدل له ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلونه فعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أيضاً (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهما. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب " قلت متى كان ابن عمر يعطي؟ قال: إذا قعد العامل. قلت متى يقعد العامل؟ قال قبل الفطر بيوم أو يومين ". ولمالك في " الموطأ " عن نافع " أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة " وأخرجه الشافعي عنه وقال: هذا حسن وأنا أستحبه - يعني تعجيلها قبل يوم الفطر - انتهى. ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في الوكالة وغيرها عن أبي هريرة قال " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان " الحديث. وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر فدل على أنهم كانوا يعجلونها ... ] فتح الباري ٣/٤٧٤. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [قال وإن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه وجملته أنه يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك وقال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين وقال بعض أصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل وقال أبو حنيفة: ويجوز تعجيلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها , كزكاة المال بعد ملك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو معشر عن نافع , عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم - قال يزيد أظن: هذا يوم الفطر - ويقول أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " والأمر للوجوب , ومتى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد وسبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه وزكاة المال سببها ملك النصاب , والمقصود إغناء الفقير بها في الحول كله فجاز إخراجها في جميعه وهذه المقصود منها الإغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت فأما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر , قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان وقال في آخره: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها , فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ولأنها زكاة , فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال والله أعلم] المغني٣/٨٩-٩٠ وخلاصة الأمر أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين وفي ذلك تحقيق لمصلحة للفقير.
وينبغي التنبيه على أنه يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر أي إخراجها نقداً وهو مذهب الحنفية ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى وهو الذي يحقق مصلحة الفقير وخاصة في هذا الزمان وهو قول وجيه تؤيده الأدلة الكثيرة ومنها أن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر أثر معاذ صلى الله عليه وسلم السابق واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٤/٥٤. ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته وصدقة الفطر زكاة بلا خلاف.
ولا يصح القول بأن من أخرج القيمة في صدقة الفطر فإنها غير مجزئة فالمسألة محل خلاف بين العلماء ومسائل الخلاف إن أخذ أحد من الناس بقول أحد العلماء المجتهدين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى وجواز إخراج القيمة قال به جماعة من أهل العلم المعتبرين كما سبق وأخيراً أقول لبعض طلبة العلم الذين لا يأخذون بالقيمة لا تحجروا واسعاً ورفقاً بالمسلمين.