للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٠ - النكاح]

يقول السائل: ما قولكم فيمن يحتج على جواز نكاح المتعة بقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ويزعم أن نكاح المتعة غير منسوخ في الشريعة؟

الجواب: زواج المتعة هو أن يعقد الرجل على امرأة لمدة محددة ويدفع لها مهراً معلوماً كأن يعقد عليها لمدة أسبوع أو شهر أو أكثر أو أقل. وهذا الزواج كان مباحاً في الشريعة الإسلامية ثم نسخ نسخاً مؤبداً وهذا قول عامة أهل العلم ولم يخالف في ذلك إلا بعض الشيعة الجعفرية وقولهم باطل لا دليل عليه. بل إن المنقول عن أئمتهم يدل على تحريم نكاح المتعة. وأما الآية التي ذكرت في السؤال وهي قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) فلا دلالة فيها على جواز نكاح المتعة لأن هذه الآية إنما هي في الزواج الدائم المعروف ويدل على ذلك ما سبق من الآية: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) سورة النساء الآية ٢٤. فهذه الآية جاءت عقب ذكر المحرمات من النكاح ثم جاء قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) لبيان أنه يجوز نكاح سوى من ذكر من المحرمات فإذا نكح الرجل امرأة ممن يجوز نكاحها فإذا دخل بها فيجب لها المهر كاملاً فهذه الآية توجب المهر للمنكوحة ولا علاقة لها بالمتعة لا من قريب ولا من بعيد قال القرطبي: [قال ابن خويز منداد: ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمه ولأن الله تعالى قال:

(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين ونكاح المتعة ليس كذلك] تفسير القرطبي ٥/١٢٩-١٣٠. وقال القرطبي أيضاً: [وقال سعيد بن المسيب: نسختها آية الميراث إذ كانت المتعة لا ميراث فيها. وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن وذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين] المصدر السابق ٥/١٣٠. وقال الألوسي: [وهذه الآية لا تدل على الحل والقول بأنها نزلت في المتعة غلط وتفسير البعض لها بذلك غير مقبول لأن نظم القرآن الكريم يأباه حيث بين سبحانه وتعالى أولاً المحرمات ثم قال عز شأنه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) وفيه شرط بحسب المعنى فيبطل تحليل الفرج وإعارته وقد قال بهما الشيعة ثم قال جل وعلا: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) وفيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجرد قضاء الشهوة وصب الماء واستفراغ أوعية المني فبطلت المتعة بهذا القيد لأن مقصود المتمتع ليس إلا ذاك دون التأهل والاستيلاد وحماية الذمار والعرض ولذا تجد المتمتع بها في كل شهر تحت صاحب وفي كل سنة بحجر ملاعب فالإحصان غير حاصل في امرأة المتعة أصلاً ولهذا قالت الشيعة: إن المتمتع الغير الناكح إذا زنى لا رجم عليه ثم فرَّع سبحانه على حال النكاح قوله عز من قائل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) وهو يدل على أن المراد بالاستمتاع هو الوطء والدخول لا الاستمتاع بمعنى المتعة التي يقول بها الشيعة والقراءة التي ينقلونها عمن تقدم من الصحابة شاذة] تفسير روح المعاني ٥/٨.

وقد دلت السنة النبوية على نسخ نكاح المتعة أيضاً فعن سبرة الجهني أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم (عن سبرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه) . وروى مسلم بسنده عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قام بمكة فقال: إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين – يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك. قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عميرة الأنصاري مهلاً قال: ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين. قال ابن أبي عميرة: إنها كانت رخصة أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها) . وعن علي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر) رواه البخاري ومسلم. وقد قرر العلماء أن نكاح المتعة منسوخ، قال الإمام البخاري: [وقد بينه علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٩/٢٠٩. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني كلام جماعة من أهل العلم في نسخ نكاح المتعة فمن ذلك ما قاله [ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها إلا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت. ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه. وقال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض] فتح الباري ٩/٢١٦-٢١٧. وقال الشوكاني بعد أن ذكر أنه قد روي عن بعض الصحابة جواز المتعة: [وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجة بإسناد صحيح (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة) وقال أبو هريرة رضي الله عنه فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث) أخرجه الدارقطني وحسنه الحافظ] نيل الأوطار ٦/١٥٦.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً لقول الخرقي: [ولا يجوز نكاح المتعة. معنى نكاح المتعة: أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهراً أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه. سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل. نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام] المغني ٧/١٧٨. وخلاصة الأمر أن نكاح المتعة منسوخ ولا دلالة في الآية المذكورة على جوازه وأجمعت الأمة على تحريمه إلا من شذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>