[٥ - حكم من مات أثناء أداء مناسك الحج]
يقول السائل: ذهب رجل لأداء فريضة الحج ولكنه توفي في حادث سيارة قبل أن يقف في عرفة فهل يُحج عنه أفيدونا؟ الجواب: إذا خرج المسلم من بيته قاصداً الحج ثم مات قبل أن يتمه أو مات قبل أن يبدأ به فقد وقع أجره على الله عز وجل كما قال الله تعالى {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} سورة النساء الآية ١٠٠.
فهذا الرجل خرج من بيته ناوياً الحج فله الأجر والثواب إن شاء الله تعالى وإن لم يتم أعمال الحج وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله: (إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فصل – أي خرج من بيته - في سبيل الله فمات أو قتل، فهو شهيد، أو وقصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامَّة، أو مات على فراشه، أو بأي حتف شاء الله تعالى، فإنه شهيد وإن له الجنة) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه وقال العلامة الألباني: إنما هو حسن فقط. أحكام الجنائز ص ٣٧.
إذا تقرر بأن الأجر ثابت لمن مات ناوياً عملاً مشروعاً قبل أن يتمه فهذا الشخص الذي شرع بمناسك الحج ثم مات قبل أن يقف بعرفة إن مات محرماً فإنه يبعث ملبياً يوم القيامة كما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه - أي لا تطيبوه لأنه كان محرماً - ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) رواه البخاري ومسلم. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن بطال – أحد شرَّاح صحيح البخاري – قوله: [وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رُجِيَ له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل] فتح الباري ٣/١٧٤.
ولا يجب قضاء الحج عمن مات قبل إتمام المناسك حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقضاء الحج عن الرجل الذي مات محرماً في الحديث السابق.
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [إذا هلك من سافر للحج قبل أن يخرج فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على عمله، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) . ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً.] فتاوى ابن عثيمين ٢١/٢٥٢.
ولا بد من التنبيه على أن من مات ولم يحج حجة الإسلام وترك مالاً فينبغي أن يحج عنه من ماله سواء ترك الحج لتقصير أو لغير تقصير وسواء أوصى بالحج عنه أم لم يوص ويدل على ذلك أحاديث منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن أختي قد نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان عليها دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقض الله فهو أحق بالقضاء.) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها قال نعم حجي عنها) رواه الترمذي وقال وهذا حديث صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه النسائي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها قال نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج , وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط وبهذا قال الحسن وطاوس , والشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت فإن وصى بها فهي من الثلث وبهذا قال الشعبي والنخعي لأنه عبادة بدنية فتسقط بالموت , كالصلاة.
ولنا ما روى ابن عباس (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم-عن أبيها مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك) وعنه (أن امرأة نذرت أن تحج , فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أما كنت قاضيه؟ قال: نعم قال: فاقضوا دين الله , فهو أحق بالقضاء) رواهما النسائي وروى هذا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة , فلم يسقط بالموت كالدين ... والعمرة كالحج في القضاء , فإنها واجبة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا رزين أن يحج عن أبيه ويعتمر ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لأنه دين مستقر , فكان من جميع المال كدين الآدمي.] المغني ٣/٢٣٣.
وخلاصة الأمر أن من مات أثناء تأدية مناسك الحج والعمرة فقد وقع أجره على الله ولا يلزم قضاء الحج عنه على الراجح من أقوال أهل العلم وأما من مات ولم يحج حجة الفريضة وقد ترك مالاً فينبغي أن يحج عنه سواء ترك الحج لتقصير أو لغير تقصير أوصى بالحج عنه أم لم يوص.