اتباع مذهب فقهي واحد, يقول السائل: هل المسلم ملزم باتباع مذهب فقهي من المذاهب العروفة اليوم كالمذاهب الأربعة؟
الجواب: إن المسلم غير ملزم باتباع مذهب فقهي كالمذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي لأننا نعلم أن هذه المذاهب حدثت بعد عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم وما لا يكون ديناً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وتابعيهم لا يكون ديناً للناس بعد ذلك. ولأننا نعلم أن أكثر الناس من العوام، والعوام لا مذهب لهم وإنما مذهبهم هو مذهب من يفتيهم، يقول الله تعالى:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) . ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم أعلام الموقعين ما نصه (وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان: أحدهما: لا يلزم وهو الصواب المقطوع به. إذا لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرأٌ أهلها من هذه النسبة بل لا يصلح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظرٍ واستدلال ويكون بصيرأً بالمذاهب على حسبه أو لمن قرأ كتاباً في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهل لذلك البته بل قال أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال: أنا فقيهٌ أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله. يوضحه أن القائل أنه شافعي أو حنفي أو مالكي يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال. فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحد قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره. وهذه بدعةٌ قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام وهم أعلى رتبة وأجل قدراً وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك. وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة. أعلام الموقعين ٤/ ٢٦٢. ويضاف إلى ما قاله ابن القيم أن الأئمة الأربعة وغيرهم قد حذروا الناس من اتباعهم في كل ما قالوا وفي كل ما ذهبوا إليه. ونقول هذا الذي يزعم أن على المسلم اتباع مذهب فقهيٍ أنه ملزم بأخذ أقوال ذلك المذهب وعدم الخروج عنها بأن هذا زعم باطل ترده أقوال الأئمة أصحاب المذاهب المعروفة، وإليك بعضها: ١. قال الإمام أبو حنيفة مخاطباً صاحبه أبا يوسف:[ويحك يا يعقوب لا تكمتب كل ما تسمع مني فإني أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد] . ٢. قال الإمام مالك:[ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم] . ٣. وقال الإمام الشافعي:[أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسوله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد] . وإن مما يدل على فساد القول بإلزام المسلم بإتباع مذهب فقهي معين أن اتباع المذهب ليس أمراً هيناً ولا يتيسر لكل أحد من الناس بل يحتاج إلى فقه وعلم في أصول ذلك المذهب حتى يعرف الأسس والقواعد التي بني عليها المذهب. يقول أبو حنيفة رحمه الله (لا يحل لأحدٍ أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه) وفي روايةٍ أخرى عنه (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي) . وبعد هذا القول الفصل من أبي حنيفة هل يستطيع عوام الناس الذين يزعمون أنهم على مذهب أبي حنيفة مثلاً أن يعرفوا لِمَ قال أبو حنيفة أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء أو لِمَ يرى أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام وغير ذلك من المسائل الفقهية. إن إلزام المسلمين باتباع مذهب فقهي دعوى باطلة ومن نسج الخيال ويردها ويكذبها واقع المسلمين الذين عاشوا في العصور الثلاثة التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية وهي دعوى منكرة لا يوجد دليل شرعي على صحتها وما هي إلا إلزام للناس بما لم يلزمهم به الإسلام.