للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٠ - زكاة الزروع والثمار]

يقول السائل: إنه اتفق مع شخص يملك أشجار زيتون على أن يقوم بقطف الزيتون على أن يكون له ربع المحصول فعلى من تكون الزكاة؟

الجواب: هذه المعاملة تعتبر إجارة والأجرة بعض المعمول بعد العمل كما وسبق أن بينت ذلك في حلقة سابقة وهذا الأجير لا زكاة عليه فيما يحصل عليه من المحصول. وإنما الزكاة على مالك الشجر فهو الذي يزكي المحصول.

ولكن أهل العلم اختلفوا هل يزكي جميع المحصول قبل خصم أجرة من قام بالقطف؟ أم أنه يزكي المحصول بعد خصم حصة الأجير؟

اتجاهان لأهل العلم فمنهم من يرى أن المزارع يخصم النفقات التي تحملها في الإنفاق على زرعه ويدخل في ذلك ما أنفقه على الحراثة والتسميد وأجرة العمال والحصادين فيخصم قبل إخراج الزكاة، باستثناء نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العشر إلى نصفه وهذا ما اختاره العلامة القرضاوي في فقه الزكاة وهو الذي أرجّحه وأختاره. انظر فقه الزكاة ١/٣٩٦-٣٩٧.

قال الإمام أحمد: [من استدان ما أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهله - عياله - احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله] وعلل الحنابلة ذلك بأنه من مئونة الزرع كما بينه الشيخ ابن قدامة في المغني ٣/٣٠.

وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه قال في الرجل ينفق على ثمرته، فقال: يرفع النفقة ويزكي ما بقي) وعن عطاء قال: [إنه يسقط مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار لزكاة زكى وإلا فلا] المحلى ٤/٦٦.

وروى يحيى بن آدم عن وكيع عن إسماعيل بن عبد الملك قال: [قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ قال فقال: ارفع نفقتك وزك ما بقي] الخراج ص ١٥٢.

وروى يحيى بن آدم بإسناده عن ابن عباس وابن عمر في الرجل: [يستقرض فينفق على ثمرته وأهله قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي. قال: وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكي ما بقي] .

قال الشيخ أحمد محمد شاكر يرحمه الله: هذا إسناد صحيح. كتاب الخراج ص ١٥٣.

وروى يحيى بن آدم أيضاً عن الثوري، قال: [فيما أخرجت الأرض الخراج قال: ارفع دينك وخراجك فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك فزكها] الخراج ص ١٥٣.

قال القرطبي: [قال مالك وما استهلكه منه ربه - أي صاحب الثمر - بعد بدو صلاحه أو بعدما أفرك حسب عليه. وما أعطاه ربه منه في حصاده وجذاذه ومن الزيتون في التقاطه تحرى ذلك وحسب عليه. وأكثر الفقهاء يخالفونه في ذلك ولا يوجبون الزكاة إلا فيما حصل في يده بعد الدرس] تفسير القرطبي ٧/١٠٨.

وقال العلامة الشيخ القرضاوي: [والذي يلوح أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة عما يقابل المؤنة من الخارج والذي يؤيد هذا أمران:

الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيراً في نظر الشارع فقد تقلل مقدار الواجب كما في السقي بآلة جعل الشارع فيه نصف العشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.

الثاني: أن حقيقة النماء هي الزيادة ولا يعد المال زيادة وكسباً إذا كان قد أنفق مثله في الحصول عليه ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤنة بمنزلة ما سلم له بعوض فكأنه اشتراه وهذا صحيح.

هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العشر إلى نصفه.

فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوي مائتي جنيه وقد أنفق عليها - في غير الري - مع الضريبة العقارية مبلغ ستين جنيهاً (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحاً ففيها العشر أو بآلة فنصف العشر. والله أعلم] فقه الزكاة ١/٣٩٦-٣٩٧.

ومما يؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخارص - وهو الذي يقدر كمية الثمار التي تجب فيها الزكاة - أن يترك ثلث الثمر أو ربعه لأصحاب الثمر ولا يحسب فيه زكاة فقد جاء في حديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري ورواه الترمذي وابن خزيمة وصححه ورواه ابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وضعفه آخرون.

قال الحاكم: [هذا حديث صحيح الإسناد وله شاهد بإسناد متفق على صحته. عمر بن الخطاب أمر به ثم روى الحاكم بسنده عن سهل بن أبي حثمة: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: إذا أتيت أرضاً فاخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون) المستدرك ٢/٢٢-٢٣.

ومعنى ترك الثلث أو الربع على أحد قولي العلماء هو ما قاله الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير وتأكل منه المارة فلو استوفى الكل منهم أضر بهم وبهذا قال إسحاق ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده فإن رأى الأكلة كثيراً ترك الثلث وإن كانوا قليلاً ترك الربع. لما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو عبيد وأبو داود والنسائي والترمذي وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال: خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والآكلة) قال أبو عبيد: الواطئة: السابلة، سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين، والآكلة: أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم. ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال: لولا أني وجدت فيه أربعين عريشاً لخرصته تسعمائة وسق. وكانت تلك العرش لهؤلاء الآكلة، والعرية: النخلة أو النخلات يهب إنساناً ثمرتها، فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في العرايا صدقة) .

وروى ابن المنذر عن عمر رضي الله عنه انه قال لسهل بن أبي حثمة: (إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون) والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء فإن لم يترك لهم الخارص شيئاً فلهم الأكل قدر ذلك ولا يحتسب عليهم به، نصّ عليه. لأنه حق لهم] المغني ٣/١٦-١٧.

وقال الشيخ ابن العربي المالكي: [وكذلك اختلف قول علمائنا هل تحط المؤنة من المال المزكى وحينئذ تجب الزكاة أو تكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلا في حصة رب المال وتؤخذ من الرأس؟ والصحيح أنها محسوبة وأن الباقي هو الذي يؤخذ عشره ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ? دعوا الثلث أو الربع) وهو قدر المؤنة ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب وبما يأكل رطباً ويحتسب المؤنة يتخلص الباقي ثلاثة أرباع أو [ثلثين] والله أعلم. ومن حديث ابن لهيعة وغيره عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ? خففوا في الخص فإن في المال العرية والرطبة والأكل والوصية والعامل والنوائب) . وقد روى سهل بن أبي حثمة ? أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا حثمة خارصا، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن أبا حثمة قد زاد علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن عمك يزعم أنك زدت عليه. فقال: يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله وما يطعم المساكين وما تسقط الريح. فقال: قد زادك ابن عمك في نصفك) فقال الطحاوي: ترك له واخطأ إنما زاده ما تسقط الريح لأنه يجمعه لنفسه وكان حقه أن يعيده عليه وأما الذي يأكل أهله ومن نزل به أو مرّ عليه فقد تقدم في الحديث أنه لا يعيد عليه في الزكاة. قال القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: والمتحصل من صحيح النظر أن يترك له قدر الثلث أو الربع كما بيناه في مقابلة المؤنة من واجب فيها ومندوب إليها منه والله أعلم] عارضة الأحوذي ٣/١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>