يقول السائل: إنه صاحب محجر يستخرج الحجارة من الأرض على شكل كتل كبيرة ثم يقوم بتقطيعها وبيعها فكيف يؤدي زكاة ذلك؟
الجواب: يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) سورة البقرة الآية ٢٦٧. هذه الآية أصل عظيم اعتمد عليه العلماء في وجوب الزكاة فيما تخرج الأرض من نبات ومعادن وركاز كما قال القرطبي في تفسيره ٣/٣٢١. وقد صح في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس] رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المعدن وقد قال العلماء: المعدن: اسم للمال المخلوق في الأرض. التهذيب في فقه الإمام الشافعي ٣/١١٦. والمعدن يشمل الذهب والفضة والحديد والنحاس والفحم الحجري ويشمل أيضاً الرخام وحجارة المحاجر محل السؤال. وقد ذكر بعض أهل العلم أن المعدن والركاز شيء واحد لذا أوجبوا فيهما الخمس كما هو نص الحديث السابق. ولكن الراجح من أقوال أهل العلم في نظري التفريق بين المعدن والركاز. قال الإمام البخاري: [باب في الركاز الخمس وقال مالك وابن إدريس - يعني الشافعي - الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيرة الخمس. وليس المعدن بركاز وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(في المعدن جبار وفي الركاز الخمس ... ) وقال بعض الناس: المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية لأنه يقال أركز المعدن إذا خرج منه شيء قيل له قد يقال لمن وهب له شيء أو ربح ربحاً كثيراً أو كثر ثمره أركزت] صحيح البخاري مع الفتح ٣/١٠٦-١٠٧. وما ذكره الإمام البخاري في التفريق بين الركاز والمعدن هو الراجح وهو الذي عليه الإمام مالك حيث قال:[الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز] الموطأ ١/٢١٤. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ومن حجة مالك أيضاً في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: ( ... والمعدن جبار وفي الركاز الخمس) فرق بين المعدن والركاز ب " و " فاصلة فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن] الاستذكار ٩/٥٦. وقال القرطبي: [وأما المعدن فروى الأئمة عن أبي هريرة عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس) . قال علماؤنا: لمّا قال صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس) دلّ على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز لأنه صلى الله عليه وسلم قد فصل بين المعدن والركاز بالواو الفاصلة ولو كان الحكم فيهما سواء لقال والمعدن جبار وفيه الخمس فلما قال: (وفي الركاز الخمس) علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه، والله أعلم] تفسير القرطبي ٣/٣٢٢. وقال الشيخ أحمد محمد شاكر:[الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملها اللغة. لأن كلاً منهما مركوز في الأرض أي ثابت والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه] تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على الموطأ ١/٢١٤. إذا تقررت التفرقة بين المعدن والركاز فأقول إن الواجب في زكاة المعدن ربع العشر أي ٢. ٥% وهذا قول عمر بن عبد العزيز والإمام مالك في رواية ابن نافع عنه وهو القول الصحيح عند الشافعية وقول الحنابلة. روى الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً:[وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مئتين خمسة] . قال الحافظ ابن حجر:[وصله أبو عبيد في كتاب الأموال] صحيح البخاري مع الفتح ٣/١٠٧. وما أشار إليه الحافظ رواه أبو عبيد أن عمر بن عبد العزيز أخذ من المعادن الزكاة. وفي رواية أخرى أن عمر بن عبد العزيز كتب أن خذ من المعادن الصدقة ولا تأخذ منها الخمس. الأموال ص ٤٢٤. وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة) الموطأ ١/٢١١. قال الحافظ ابن عبد البر:[هذا الخبر منقطع في الموطأ وقد روي متصلاً مسنداً ... من رواية الداروردي عن ربيعة ... ] الاستذكار ٩/٥٥. وقال ابن عبد البر أيضاً:[وإسناد ربيعة فيه صالح حسن وهو حجة لمالك ومن ذهب مذهبه في المعادن] فتح المالك ٥/٢٣. ورواه أبو داود في سننه، انظر عون المعبود ٨/٢١٦ وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٥٩٢-٥٩٣. وبناءً على ما تقدم فإن المحاجر تجب الزكاة فيها بنسبة ٢. ٥% ولا يشترط لذلك حولان الحول. وأما النصاب فالمعروف من حال أصحاب المحاجر أن ما يستخرجونه يبلغ أنصبة كثيرة لا نصاباً واحداً وعليه فإن صاحب المحجر كلما استخرج كمية من الحجارة فباعها فإنه يخرج الزكاة بنسبة ٢. ٥% بعد أن يخصم من ذلك أجور العمال وتكلفة تشغيل الآلات والمعدات فمثلاً لو أن صاحب محجر جعل له حساباً شهرياً يحسب فيه ثمن الحجارة المستخرجة التي يتم بيعها محسوماً منها أجور العمال وتكلفة تشغيل الأجهزة والمعدات وما يبقى بعد ذلك يزكيه بنسبة ٢. ٥% وهكذا في كل شهر. ومما يؤيد تقدير الزكاة في المعادن بربع العشر ٢. ٥% وليس الخمس ٢٠% أنه قد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤونته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت مؤونته زيد في زكاته. انظر فتح الباري ٣/١٠٧، التهذيب في فقه الإمام الشافعي ٣/١١٥. ?????