للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٥ - أحكام الأضحية.]

بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، كثرت الأسئلة والإستفسارات المتعلقة بالأضحية، وهذه مجموعة من الأحكام المتعلقة بالأضحية فيها إجابات واضحة على بعض تلك الأسئلة والإستفسارات:

أولاً: ينبغي أن يعلم أن الأضحية سنة مؤكدة، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور الفقهاء، ونقل عن أبي بكر وعمر وابن عباس، وجماعة من الصحابة والتابعين، ومن أصرح الأدلة على عدم وجوب الأضحية، ما ثبت في الحديث الشريف، عن أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم. فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر الأضحية مفوضاً إلى إرادة المسلم، وما كان كذلك لا يكون واجباً. وروى البيهقي عن أبي بكر وعمر، أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة، سنن البيهقي ٩/٢٦٤ - ٢٦٥. والأسانيد إليهما صحيحة كما قال: الشيخ الألباني، انظر إصلاح المساجد ص٢١. وقال ابن حزم: " لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة، وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي " المحلى ٦/١٠. وأما ما ورد في الحديث الشريف، عن أبي هريرة ? أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد سعة فلم يضح، فلا يقربنَّ مصلانا) رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وغيرهم فقد صحح الأئمة وقفه على أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر: ".... لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب " فتح الباري ١٢/٩٨. وقال الحافظ ابن عبد البر نحوه في التمهيد، وممن قال بأنه موقوف الإمام المنذري في الترغيب والترهيب والحافظ البيهقي، والإمام الترمذي " انظر معرفة السنن والآثار ١٤/٣٨.

ثانياً: يستحب لمن أراد أن يضحي، ألا يقص شعره وأظافره، ابتداءً من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته لما ثبت في الحديث السابق عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر - أي العشر الأول من ذي الحجة - وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (إذا دخل العشر، وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (.... فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) رواه مسلم. وقال جمهور أهل العلم: " إن هذا النهي محمول على الكراهة وليس على التحريم، فيكره في حق من نوى الأضحية أن يقص شيئاً من شعره أو من أظفاره شيئاً ويدل على أنه مكروه وليس حراماً، ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه) رواه البخاري مسلم. قال الإمام النووي: " والحكمة في النهي أن يبقى - أي المضحي - كامل الأجزاء ليعتق من النار " شرح النووي على صحيح مسلم ٥/١٢٠. ثالثاً: يستحب في الأضحية أن تكون كبشاً أبيضاً أقرناً سميناً، فقد ثبت في الحديث، عن أنس ? قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) رواه مسلم. وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين خصيين) رواه أحمد وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل ٤/٣٦٠. وروى الإمام البخاري تعليقاً، عن أبي أمامة بن سهل قال: (كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون) ، قال الحافظ ابن حجر: " وصله أبو نعيم في المستخرج...." فتح الباري ١٢/١٠٥. رابعاً: تصح النيابة في ذبح الأضحية باتفاق أهل العلم، فإذا أناب شخص شخصاً آخر في ذبح الأضحية وتوزيعها، فلا بأس في ذلك والمستحسن أن يتولى كل مضحٍ أضحيته بنفسه فيذبحها إن كان يحسن الذبح، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته بيديه الشريفتين، كما في الأحاديث التي سبقت، فإن كان المضحي لا يحسن الذبح، وكَّل غيره بذبحها لما روي في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك) رواه الحاكم وصححه ولكن فيه ضعف، كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/١٤٣. خامساً: لا بد من الإلتزام في الأضحية بالسن المقررة شرعاً، فلا يصح أن ينقص منه، ويصح أن يزيد عليه، ففي الإبل لا تصح التضحية بها إلا إذا بلغت خمس سنوات ودخلت في السادسة، وفي البقر يجب أن تتم سنتين وتدخل في الثالثة وفي الغنم تفصيل ففي الماعز، لا تجوز الأضحية بما له أقل من سنة، وفي البياض تجوز التضحية بما يمضي عليه أكثر العام كسبعة أشهر أو ثمانية أشهر، إذا كان سميناً يخفى مع ما له سنة. ولا يجوز شرعاً التضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ سنتين من عمرها، قال الإمام الشافعي: " ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثني من المعز والإبل والبقر، ولا يجزي جذع إلا من الضأن وحدها " الأم ٢/٢٢١. وقال الإمام الشافعي أيضاً: " الضحايا الجذع من الضأن والثني من المعز والإبل والبقر ولا يكون شيء دون هذا ضحية " الأم ٢/٢٢٣. قال الإمام النووي: " أجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني.... " المجموع ٨/٣٩٤. ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة: " إذا مضت الخامسة على البعير، ودخل في السادسة وألقى ثنيته، فهو حينئذ ثني.... وأما البقرة، فهي التي لها سنتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنة) رواه مسلم، والمسنة من البقر هي التي لها سنتان " المغني ٩/٤٤٠. وقال الإمام النووي: " قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل والغنم والبقر، فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه.... " شرح النووي على صحيح مسلم ١٣/١٠١ - ١٠٢. وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر، والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ السنتين من عمره، والعجل المسمن الذي يبلغ من العمر تسعة أشهر من عمره فهو جذع فلا يجزئ في الأضحية، وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ السنتين من عمره، ليس سبباً في ترك السن المعتمد، وهي سنتان فأكثر. وإن المدقق في الأحاديث الشريفة التي أشارت إلى السن، يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن، ويدل على ذلك الأحاديث التالية: ١ - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: " إن عندي جذعة " فقال: إذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه البخاري. ٢ - قال الإمام البخاري: " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك، ثم ساق حديث البراء المتقدم براوية أخرى: (ضحى خال لي يقال له أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاتك شاة لحم؟ فقال يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذبحها ولا تصلح لغيرك) . وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الإختصاص عقبة بن عامر، كما في حديث آخر. والألفاظ التي تدل على الإختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري هي (ولا رخصة فيها لأحد بعدك) ، (ولا تجزئ عن أحد بعدك) ، (وليست فيها رخصة لأحد بعدك) . وهذا التخصيص من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في القول بأنه لا يجوز التضحية بما دون السنتين من البقر. ويجب أن يعلم أنه ليس المقصود بالأضحية اللحم فقط وتوزيعه صدقة أو هدية وإنما المقصود بها أيضاً تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى، كما قال جل جلاله: (ذَلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج /٣٢. وكذلك الإمتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم إقتداءً بإبراهيم عليه السلام قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) سورة الحج /٣٧.

وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً) رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حسن غريب، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>