يقول السائل: إنه وأخوه متزوجان من أختين ويسكنان في بيت واحد وزوجة كل منهما تظهر على زوج أختها بدون جلباب مع إظهار الزينة لأنهما تعتقدان أن زوج الأخت محرم فما قولكم في ذلك؟
الجواب: إن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته ولا يختلف حكمه عن الرجال الأجانب إلا في حكم واحد فقط وهو أنه لا يجوز أن يتزوج أخت زوجته ما دامت أختها في عصمته. وهنالك خطأ شائع بين الناس أن زوج الأخت محرم لأخت زوجته وهذا الفهم مغلوط ولا يستند إلى أي دليل شرعي وإنما فهم الناس هذه المحرمية غير الصحيحة شرعاً من كونه لا يجوز شرعاً الجمع بين الأختين ففهم كثير من الناس ثبوت المحرمية بين زوج الأخت وأخت زوجته. ويجب أن يعلم أن هذا التحريم المؤقت في الجمع بين الأختين في الزواج لا يجعل زوج الأخت محرماً لأخت زوجته. ومحارم المرأة هم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد وهذه المحرمية تكون بسبب النسب أو بسبب الرضاع أو بسبب المصاهرة. والمحارم من النسب هم الآباء وإن علوا من جهة الذكور والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات.
والمحارم من الأبناء أي أبناء النساء فيدخل فيهم أولاد الأولاد وإن نزلوا من الذكور والإناث مثل بني البنين وبني البنات أما أبناء بعولتهن فهم آبناء أزواجهن من غيرهن وهؤلاء محارم بسبب المصاهرة لا بسبب النسب. المحارم من الأخوة وهم إخوانهن سواء أكانوا أخوة لأم وأب أو لأب فقط أو لأم فقط. المحارم من بني إخوانهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بني الإخوان. المحارم من بني أخواتهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بنات الأخوات. العم والخال وهما من المحارم بالنسب ولم يذكروا في الآية الكريمة لأنهما يجريان مجرى الوالدين وهما عند الناس بمنزلة الوالدين. وأما المحارم من الرضاع فهم مثل المحارم من النسب لما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) رواه مسلم. وأما المحارم من المصاهرة فهم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد مثل زوجة الأب وزوجة الابن وأم الزوجة فالمحرم بالمصاهرة بالنسبة لزوجة الأب هو ابنه من غيرها وبالنسبة لزوجة الابن هو أبوه وبالنسبة لأم الزوجة هو الزوج. المفصل في أحكام المرأة ٣/١٦١ – ١٦٢. وبين الله سبحانه وتعالى المحرمات من النساء بقوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء الآيتان ٢٢-٢٣. ولم يقل الله سبحانه وتعالى:(وأخوات نسائكم) وإنما قال: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) فالأمر المحظور هو الجمع بين الأختين أي في الزواج، وبهذا يظهر لنا بوضوح أن زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته.
وبناءاً على ذلك فإن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته وتنطبق عليه جميع الأحكام المتعلقة بالأجانب من حيث النظر واللمس والدخول والخلوة فلا يجوز أن ينظر زوج الأخت من أخت زوجته إلى شيء سوى الوجه والكفين ولا يجوز له لمسها ولا مصافحتها ولا يجوز أن يخلو بها. ولا يجوز لها أن تبدي زينتها أمام زوج أختها لقوله تعالى:(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) سورة النور الآية ٣١. وأخو الزوج ليس من هؤلاء المذكورين في الآية. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال من الدخول على النساء وخاصة أخو الزوج فقد صح في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) قال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج: ابن العم ونحوه. اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن العم ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:(الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم. وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي ... وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب كما يقال: الأسد الموت. أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد غليظ] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٣٢٩. وقال أبو العباس القرطبي: [وقوله: (الحمو الموت) أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلْفهم لذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت والحرب الموت أي لقاءه يفضي إلى الموت وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٥/٥٠١-٥٠٢. ونقل الحافظ ابن حجر عن الطبري قوله:[المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه وابن أخيه - أي زوجة ابن أخيه - تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشيء المكروه بالموت] فتح الباري ١١/٢٤٥. *****