للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧٩ - انتهاء الشركة بموت الشريك]

يقول السائل: إن والده قد توفي وكان شريكاً في شركة تجارية مع عدد من الأشخاص فما مصير مشاركته وهل يحل الورثة محله في الشركة المذكورة؟ الجواب: اتفق الفقهاء على أن موت أحد الشريكين أو الشركاء يعتبر من أسباب انتهاء الشركة فتبطل الشركة إذا مات أحد الشركاء فإذا لم يكن في الشركة سوى اثنان فمات أحدهما بطلت الشركة وأما إذا كانت الشركة بين أكثر من اثنين فتبطل الشركة في حق من مات وأما شركة الباقين على قيد الحياة فلا تبطل وقد نص الفقهاء على أن الشركة تبطل بموت أحد الشريكين قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين] المغني ٥/١٨.

وجاء في الهداية من كتب الحنفية: [وإذا مات أحد الشريكين بطلت الشركة] وقال الكمال بن الهمام شارحاً لكلام صاحب الهداية: [وإنما بطلت بالموت لأنها تتضمن الوكالة أي مشروط ابتداؤها وبقاؤها بها ضرورة فإنها لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة] شرح فتح القدير ٥/٤١٢.

وجاء في المادة رقم ١٣٥٢ من مجلة الأحكام العدلية ما نصه: [إذا توفي أحد الشريكين أو جن جنوناً مطبقاً تنفسخ الشركة أما في صورة كون الشركاء ثلاثة أو أكثر فيكون انفساخ الشركة في حق الميت أو المجنون فقط وتبقى الشركة في حق الآخرين] . وقال شارح المجلة علي حيدر: [تنفسخ شركة العقد بثمانية أوجه:

أولاً: إذا توفي أحد الشريكين. ثانياً: إذا جن أحدهما جنوناً مطبقاً. ثالثاً: إذا حجر أحدهما. رابعاً: إذا فسخ أحد الشريكين الشركة. خامساً: إذا أنكر أحد الشريكين الشركة. سادساً: إذا هلك مجموع رأس مال الشركة. سابعاً: إذا تلف رأس مال أحدهما قبل الخلط وقبل الشراء. ثامناً: إذا كانت الشركة مؤقتة وانقضت مدتها لأنه يقتضي أن تتضمن الشركة الوكالة كما جاء في المادة (١٣٣٣) وكما أنه يشترط وجود الوكالة المذكورة ابتداءً يشترط وجودها بقاءً أيضاً وبما أنه بوفاة الشريك أو بجنونه جنوناً مطبقاً تبطل الوكالة فتنفسخ الشركة أيضاً. انظر المادتين (١٥٢٨ و ١٥٣٠) وقد جاء في الطحطاوي (وإنما بطلت الشركة لبطلان الوكالة وإن كانت تابعة لها والمتبوع لا يبطل ببطلان التابع إلا أن الوكالة شرطها ولا يتحقق المشروط بدون شرط) . والمقصود من الشركة هنا شركة العقد كما أشير إلى ذلك شرحاً أما شركة الملك فلا تنفسخ بوفاة أحد الشريكين بل تبقى شركة بين الشريك الحي وبين ورثة الشريك الميت. ولنوضح الآن هذه الأمور الثمانية: وفاة أحد الشريكين، إذا توفي أحد الشريكين تنفسخ الشركة ولو لم يعلم الشريك الآخر بوفاته لأنه عزل حكمي فلا يشترط فيه العلم] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ٣/٣٦٧-٣٦٨.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في بيان أسباب انتهاء الشركة: [موت أحدهما: لأن الموت مبطل للوكالة، والوكالة الضمنية جزء من ماهية الشركة لا تنفك عنها ابتداءً ولا بقاءً، ضرورة الحاجة إلى ثبوت واستمرار ولاية التصرف لكلا الشريكين عن الآخر، منذ قيام الشركة إلى انتهائها. إلا أن بطلان الشركة في الأموال بالموت، لا يتوقف على علم الشريك به؛ لأنه عزل حكمي غير مقصود لا يمكن تقديمه وتأخيره، إذ بمجرد الموت ينتقل شرعاً ملك مال الميت إلى ورثته، فلا يمكن إيقاف ما نفذه الشرع. وإنما تبطل الشركة بالموت بالنسبة للميت. فإذا لم يكن له سوى شريك واحد لم يبق شيء من الشركة بالضرورة، أما إذا كان له أكثر من شريك، فإن شركة الباقين على قيد الحياة باقية. ونص على هذا المبطل أيضاً الشافعية والحنابلة] الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٦/٨٨-٨٩. وكذلك فإن القانون المدني قرر انتهاء الشركة بموت أحد الشريكين كما في الوسيط في شرح القانون المدني ٥/٣٦١.

وينبغي أن يعلم أنه لا مانع شرعاً أو قانوناً من استمرار الشركة بعد وفاة أحد الشركاء ويحل الورثة محل الشريك الميت ويمكن أن ينص على ذلك في عقد الشركة ابتداءً بأنه إذا مات الشريك الفلاني حلَّ ورثته محله. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف. وله المطالبة بالقسمة فإن كان مولياً عليه قام وليه مقامه في ذلك إلا أنه لا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولي عليه فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا. وإن وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الإذن في التصرف. لأنه قد وجب دفع إليهم فيعزل نصيبهم ويفرقه بينهم وإن كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام وإن قضاه بطلت الشركة في قدر ما قضى] المغني ٥/١٩. ويجوز استمرار الشركة بعد وفاة أحد الشركاء إما باستئناف عقد جديد ويعطى نصيب الشريك المتوفى إلى ورثته وإما أن تستمر الشركة مع الورثة فإن كان الورثة راشدين تولوا ذلك بأنفسهم وإن كانوا قاصرين تولى ذلك الولي أو الوصي جاء في فتح العزيز ما نصه: [تنفسخ الشركة بموت أحد المتعاقدين وجنونه وإغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت إن لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً وإن كان مولياً عليه لصغر أو جنون فعلى وليه ما فيه الحظ والمصلحة من الأمرين وإنما يقرر الشركة بعقد مستأنف وإن كان على الوارث دين فليس للوارث تقرير الشركة إلا إذا قضي الدين في موضع آخر وإن كان هناك وصية نظر إن كانت الوصية لمعين فهو كأحد الورثة وإن كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية] الشركات ١/٣٤٨-٣٤٩. وقال الدكتور صالح المرزوقي: [والشركة وإن كانت من العقود الجائزة إلا أنها أيضاً عقد مستمر فقد أجاز الفقهاء في حالة وفاة أحد الشركاء استمرارها بين الآخرين إذا كانوا اثنين فأكثر ويجوز استمرارها مع ورثة المتوفى إذا اتفقوا على ذلك ومثله المجنون والمحجور عليه فهي لا تنفسخ بالموت أو بالجنون أو غيرها إلا في حق كل واحد منهم فلا تنفسخ في حق الشركاء الآخرين ولكنها تبقى مستمرة بينهم وكما ذكرنا فإنه يمكن أيضاً استمرارها مع ورثة المتوفى ومع ولي المجنون ونحو ذلك جاء في مغني المحتاج: [ولو مات أحد الشريكين وله وارث غير رشيد ورأى الولي المصلحة في الشركة استدامها] على خلاف بين الفقهاء هل هي استمرار للعقد السابق وهو الراجح أو ابتداء عقد جديد] شركة المساهمة ص٣٣١. وهذا ما قرره القانون الوضعي أيضاً انظر الوسيط ٥/٣٦٤-٣٦٥.

وخلاصة الأمر أنه يجوز استمرار الورثة برضاهم أجمعين في الشركة التي كان والدهم شريكاً فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>