يقول السائل: عندنا دار للقرآن الكريم وتضم عدداً كبيراً من الحلقات لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علم التجويد، فهل يجوز صرف الزكاة إلى المحفظين والمحفظات والمعلمين والمعلمات والطلبة الحافظين، أفيدونا.
الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية ٦٠. وقد اختلف العلماء في المراد بعبارة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المذكورة في الآية، فمنهم من رأى أن {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} يراد بها سبيل الخير. [المصالح العامة التي تقوم عليها أمور الدين والدولة دون الأفراد بالإضافة إلى المجاهدين والمرابطين كبناء المستشفيات والملاجئ والمدارس الشرعية والمعاهد الإسلامية والمكتبات العامة ومساعدة الجمعيات الخيرية على أداء مهماتها الإنسانية ودعم المؤسسات التي تقدم خدمات عامة لأفراد المجتمع وكذا الإنفاق على الجهاد شريطة ألا يأكل ذلك أسهم الأصناف الأخرى التي ذكرت في آية الصدقات] إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص ١٠٠-١٠١. ومن العلماء من يرى أن {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الغزاة في سبيل الله فقط ولا يصح صرف الزكاة فيما سواه. ومن العلماء من يرى أن مصرف في سبيل الله يقصد به الجهاد والحج والعمرة. وهنالك أقوال أخرى في المسألة، ويجب أن نعلم أن لكل قول من الأقوال السابقة دليله. وأرجح الأقوال هو القول الأول الذي يرى جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، ولا يقصره على الجهاد فقط، وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء المتقدمين واللاحقين ولهم أدلة قوية على ما ذهبوا إليه منها قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة التوبة الآية ٣٤. فالمراد بسبيل الله في الآية المعنى العام وليس الجهاد فقط، وإلا لكان من أنفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى ونحوهم داخلاً ضمن الذين يكنزون وليس الأمر كذلك. ومن ذلك قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلِّ سنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية ٢٦١. ومن ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية ٢٦٢. فهذه الآيات يفهم منها أن المراد بِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المعنى العام وليس المعنى الخاص، وبناءً على ما سبق فإن صرف الزكاة لدور القرآن الكريم وحلقات تحفيظه داخل في مصرف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} أحد مصارف الزكاة الثمانية، [لأن نشاطها في تحفيظ القرآن وتعليمه وتربية الناشئة عليه وهو من الدعوة إلى الله تعالى، وما كان كذلك فهو داخل في مصرف (وفي سبيل الله) لأن هذا المصرف يشمل الدعوة إلى الله تعالى، بل إنه من أعظم أنواع الجهاد، كما قال الله تعالى في سورة الفرقان – سورة مكية نزلت قبل فرض الجهاد باليد- {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} ] فتاوى مجموعة من العلماء السعوديين. وقد قرر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بالأغلبية دخول تحفيظ القرآن، وأمور الدعوة إلى الله في مصرف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، فقد ورد في قرار المجمع ما يلي: [وبعد اطلاع المجلس على ترجمة الاستفتاء الذي يطلب فيه الإفادة هل أحد مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في الآية الكريمة وهو مصرف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} يقصر معناه على الغزاة في سبيل الله أم أن سبيل الله عام لكل وجه من وجوه البر من المرافق والمصالح العامة من بناء المساجد والربط والقناطر وتعليم العلم وبث الدعاة. . . إلخ. وبعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول الرأي فيه ظهر أن للعلماء في المسألة قولين: أحدهما: قصر معنى - وفي سبيل الله - في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله، وهذا رأي جمهور العلماء , وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب مصرف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} من الزكاة على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى. القول الثاني: إن سبيل الله شامل عام لكل طرق الخير والمرافق العامة للمسلمين من بناء المساجد وصيانتها وبناء المدارس والربط وفتح الطرق وبناء الجسور وإعداد المؤن الحربية وبث الدعاة وغير ذلك من المرافق العامة مما ينفع الدين وينفع المسلمين , وهذا قول قلة من المتقدمين وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين. وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي: ١ - نظراً إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وإن له حظًّاً من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى} , ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلًا جعل ناقةً في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(اركبيها فإن الحج في سبيل الله) . ٢ - ونظراً إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى وإن إعلاء كلمة الله تعالى مما يكون بالقتال يكون - أيضاً - بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهاداً لما روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) . ٣ - ونظراً إلى أن الإسلام مُحَارب - بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين , وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه. ٤ - ونظراً إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة بخلاف الجهاد بالدعوة فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون، لذلك كله فإن المجلس يقرر - بالأكثرية المطلقة - دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى - وفي سبيل الله - في الآية الكريمة.] موقع المجمع على الإنترنت. وجاء في فتوى للشيخ العلامة عبد الله الجبرين:[مدارس تحفيظ القرآن فيها تعليم للقرآن وتعليم للعلم فتدخل في الدعوة إلى الله وتدخل في سبيل الله الذي هو من مصارف الزكاة، وتكون أولى من إعطاء المؤلفة قلوبهم الذين يرجى بإعطائهم قوة إيمانهم، أو كف شرهم، أو إسلام نظرائهم، فإذا تعطلت هذه المدارس صرف لها من الزكاة رواتب للمعلمين والغالب أنهم فقراء، وجوائز للطلاب] موقع الشيخ على الإنترنت. كما أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية برئاسة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز بجواز دفع الزكاة للمدرسين والطلاب بمدارس تحفيظ القرآن الكريم إذا كانوا فقراء. موقع اللجنة على الإنترنت، وقال فضيلة الشيخ عبد الله البسام:[صرف الزكاة لحلقات القرآن الكريم التي تعنى بتحفيظ القران الكريم وتفهيمه لأطفال المسلمين لا سيما وأكثرهم أو كلهم من الفقراء والمساكين فإنه أفضل ما تصرف فيه الزكاة هذا المجال الذي يجمع بين سد حاجة فقر أطفال المسلمين وأيتامهم وبين نشر الدعوة بتحفيظ كتاب الله تعالى] عن الإنترنت. والغالب أن وصف القر ينطبق على رواد الحلقات ومدرسيها محل السؤال. ويضاف إلى ما سبق أن طلبة حلقات التحفيظ هم طلبة علم، ومن المتفق عليه بين أهل العلم أن طالب العلم إن كان فقيراً يعطى من الزكاة لفقره. ومن العلماء من قال: يعطى طالب العلم لكونه طالب علم، وإن كان قادراً على الكسب إذا تفرغ لطلب العلم. ومنهم من أجاز لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة باعتباره داخلاً في مصرف:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} حيث فسر قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} بأنه طلبة العلم كما في الدر المختار ٢/٣٤٣، وحاشية الطحطاوي ص ٣٩٢. ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفية أن تفسير:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} بطلب العلم وجيه. حاشية ابن عابدين ٢/٣٤٣. قال العلامة الشيخ صديق حسن خان:[ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية، فإن لهم في مال الله نصيباً سواء أكانوا أغنياء أو فقراء، بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، وحملة الدين، وبهم تحفظ بيضة الإسلام، وشريعة سيد الأنام، وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم والأمر في ذلك مشهور، ومنهم من كان يأخذ زيادة على مئة ألف درهم. ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر لما قاله له يعطي من هو أحوج منه: ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك، كما في الصحيح والأمر ظاهر] الروضة الندية ١/٥٣٣ - ٥٣٤. وقد ذكر الإمام النووي أن المشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة لأن تحصيل العلم فرض كفاية. المجموع ٦/١٩٠. وقال بعض فقهاء الحنفية يجوز لطالب العلم الأخذ من الزكاة ولو كان غنياً إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه. حاشية الطحطاوي ص ٣٩٢.
وخلاصة الأمر أنه يجوز صرف الزكاة إلى دار القرآن الكريم ولحلقات تحفيظ القرآن الكريم ولتدريس علم التجويد وللمحفظين والمحفظات والمعلمين والمعلمات والطلبة.