للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣١ - اختلاف قيمة مؤخر المهر]

يقول السائل: إنه متزوج من أكثر من أربعين سنة ويريد أن يعطي زوجته مؤخر مهرها وقدره مئتا دينار أردني ولكن زوجته ترفض أخذ المئتي دينار لأن قيمة العملة قد اختلفت اختلافاً كبيراً فما قولكم أفيدونا؟

الجواب: إن المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية ٤.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصدق نساءه عند الزواج فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قال (سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت أتدري ما النش؟ قال: قلت لا. قالت: نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه) رواه مسلم.

وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون فعن أنسٍ رضي الله عنه قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار كم أصدقتها؟ قال وزن نواة من ذهب) رواه البخاري

وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي ... ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوماً بذلك] المغني ٧/٢٢٢.

ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً ويكون ديناً في ذمة الزوج وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وب لها المؤجل من مهرها وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة.

وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم.

وقد نصت المادة " ٤٦ " من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا على ذلك ( ... وإذا لم يكن الأجل معيناً اعتبر المهر مؤجلاً إلى وقوع الطلاق أو وفاة أحد الزوجين) ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة.

ولا يجوز للزوجة أن تطالب زوجها بالمهر المؤجل ما دامت على ذمته لأن العرف جارٍ على تأخيره وتنص القاعدة الفقهية على أن العادة محكمة، وكذا المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً وكذا استعمال الناس حجة يجب العمل بها.

وقيام الرجل بدفع المهر المؤجل لزوجته أمر حسن وفيه إبراء لذمته ولكنه ليس واجباً عليه بل يجب في حالتي الطلاق أو الوفاة كما سبق.

وأما بالنسبة لعدم قبول الزوجة للمئتي دينار وهي مقدار مهرها المؤجل بحجة أن قيمة العملة قد تغيرت فلا بد أن أبين أن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق - الفضة المصكوكة - وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمئة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومئة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمئة درهم يمكن صرفها بمئة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مئة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد ٥ جزء ٣ ص١٧٢٧-١٧٢٨.

وقرر معظم فقهاء العصر أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص٥٠٠.

وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد ٥ ج ٣/٢٢٦١.

هذا هو الأصل المقرر في قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها إلا إذا كان التغير في قيمة العملة كبيراً وبما أن المدة المذكورة في السؤال طويلة (أربعون سنة) فلا شك أن قيمة العملة الأردنية قد اختلفت اختلافاً كبيراً خلال هذه المدة فيجب على الزوج أن يعطي زوجته قيمة المئتي دينار لا عددها والمرجع في تقدير القيمة هنا الذهب أي نسأل الصاغة والصرافين عن المئتي دينار كم كان يشترى بها غرامات ذهب؟ فيعطي الزوجة قيمة ذلك الذهب في الوقت الحاضر. وأما أن يعطيها ما كتب لها في عقد الزواج منذ أربعين سنة، فظلم واضح.

وخلاصة الأمر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع المهر المؤجل لزوجته ما دامت على ذمته فإن فعل فأمر حسن وعلى السائل أن يعطي زوجته قيمة مهرها المؤجل نظراً لاختلاف قيمة العملة اختلافاً كبيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>