يقول السائل: هل يشرع لمن أراد أن يسجد سجود التلاوة خارج الصلاة وهو جالس أن يقوم فيهوي إلى السجود من قيام؟
الجواب: صفة سجود التلاوة لمن كان خارج الصلاة وقرأ سورة فيها سجدة أن يكبر ويسجد سجدة واحدة بدون رفع يديه وبدون تشهد ولا تسليم، وهذا قول أكثر العلماء. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مرّ بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) رواه البخاري ومسلم. وقد قال بعض الفقهاء إنه يشرع في حق من أراد السجود للتلاوة أن يستوي قائماً ثم يكبر ويهوي للسجود. قال الشيخ المرداوي:[الأفضل أن يكون سجوده عن قيام جزم به المجد في شرحه ومجمع البحرين وغيره وقدمه في الفروع وغيره واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: قاله طائفة من أصحاب الإمام أحمد] الإنصاف ٢/١٩٨. وقال ابن مفلح:[والأفضل سجوده عن قيام] الفروع ١/٥٠٤. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية:[عن الرجل إذا كان يتلو الكتاب العزيز بين جماعة فقرأ سجدة فقام على قدميه وسجد فهل قيامه أفضل من سجوده وهو قاعد؟ أم لا؟ وهل فعله ذلك رياء ونفاق؟ فأجاب: بل سجود التلاوة قائماً أفضل منه قاعداً كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما وكما نقل عن عائشة بل وكذلك سجود الشكر كما روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم من سجوده للشكر قائماً وهذا ظاهر في الاعتبار فإن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أحياناً يصلي قاعداً فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم وأحياناً يركع ويسجد وهو قاعد فهذا قد يكون للعذر أو للجواز ولكن تحريه مع قعوده أن يقوم ليركع ويسجد وهو قائم دليل على أنه أفضل إذ هو أكمل وأعظم خشوعاً لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٣/١٧٣. واستحب القيام لسجدة التلاوة بعض متأخري الحنفية فقد جاء في الدرّ المختار وحاشية ابن عابدين عليه:[قوله بين قيامين مستحبين أي قيام قبل السجود ليكون خروراً وهو السقوط من القيام وقيام بعد رفع رأسه] رد المحتار ٢/١٠٧. وحجة هؤلاء الفقهاء القائلين باستحباب القيام لسجود التلاوة أن الله تعالى قال:(إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) سورة الإسراء الآية ١٠٧. فالخرور سقوط من قيام. واحتجوا بما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع قال: [حدثنا شعبة عن شمسية أم سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تقرأ في المصحف فإذا مرّت بالسجدة قامت فسجدت) ] مصنف ابن أبي شيبة ٢/٤٩٩. وكل ما ذكره هؤلاء الفقهاء الأجلاء لا يصلح لإثبات مشروعية القيام لمن أراد سجود التلاوة فمن المعلوم أن سجدة التلاوة عبادة والأصل في العبادات التوقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على القيام لسجدة التلاوة وأما أثر عائشة فضعيف غير ثابت عنها فلا يصلح دليلاً، قال الإمام النووي: [وهل يستحب لمن أراد السجود أن يقوم فيستوي قائماً ثم يكبر للإحرام ثم يهوي للسجود بالتكبيرة الثانية فيه وجهان: أحدهما: يستحب، قاله الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوي والمتولي وتابعهم الرافعي. والثاني: وهو الأصح لا يستحب، وهذا اختيار إمام الحرمين والمحققين، قال الإمام: ولم أر لهذا القيام ذكراً ولا أصلاً. قلت - أي النووي -: ولم يذكر الشافعي وجمهور الأصحاب هذا القيام ولا ثبت فيه شيء يعتمد مما يحتجّ به فالاختيار تركه لأنه من جملة المحدثات وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن المحدثات. وأما ما رواه البيهقي بإسناده عن أم سلمة الأزدية قالت:(رأيت عائشة تقرأ في المصحف فإذا مرّت بسجدة قامت فسجدت) فهو ضعيف، أم سلمة هذه مجهولة. والله أعلم] المجموع ٤/٦٥. وقد سئل الإمام أحمد عن ذلك فقيل له:[يقوم ثم يسجد؟ فقال: يسجد وهو قاعد] الإنصاف ٢/١٩٨. وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية عن هذه المسألة:[إذا كان الإنسان يقرأ القرآن في المسجد أو غيره وهو جالس ووصل إلى سجدة من السجدات هل الأفضل أن يقوم قائماً ويسجد أم يسجد في مكانه وهو جالس، أيهما أفضل؟ الجواب: لا نعلم دليلاً على شرعية القيام من أجل سجود التلاوة] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ٧/٢٦٥. وأخيراً أنقل ما ذكره العلامة ابن القيم في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود القرآن " التلاوة " حيث قال: [كان صلى الله عليه وسلم إذا مرّ بسجدة كبّر وسجد وربما قال في سجوده: (سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) . وربما قال:(اللهم احطط عني بها وزراً واكتب لي بها أجراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبّلها مني كما تقبلتها من عبدك داود) . ذكرهما أهل السنن. ولم يذكر عنه انه كان يكبر للرفع من هذا السجود ولذلك لم يذكره الخرقي ومتقدمو الأصحاب ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة.
وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه فالمنصوص عن الشافعي: أنه لا تشهد فيه ولا تسليم، وقال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره] زاد المعاد في هدي خير العباد ١/٣٦٢-٣٦٣.