[٦ - كيف يزكي ثمن المحصول إذا باعه بعد أن وجبت فيه الزكاة]
يقول السائل: إنه مزارع ولديه محصول من القمح وقد باع المحصول بمبلغ من المال ويريد أن يخرج الزكاة فهل يزكي ثمن المحصول زكاة المال، أفيدونا؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجت الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض عادة مثل القمح والشعير والعنب والتين والزيتون والورود والرياحين والزعتر والأعشاب الطبية التي يستنبتها الإنسان بقصد تنمية الأرض واستغلالها وهذا قول الإمام أبي حنيفة في زكاة المزروعات وهو أقوى المذاهب الفقهية في هذه المسألة، ولم يحصر الزكاة في الأقوات الأربعة التي كانت معروفة قديماً وهي القمح والشعير والتمر والزبيب ولم يحصرها في ما يقتات ويدخر كما هو قول المالكية والشافعية ولم يحصرها في ما ييبس ويبقى ويكال كما هو قول الحنابلة. وقول أبي حنيفة رحمه الله أهدى سبيلاً وأصح دليلاً واعتمد في ذلك على عموم قوله تعالى:{يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة الآية ٢٦٧، وعلى قوله تعالى:{وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} سورة الأنعام الآية ١٤١. والمراد بالحق في الآية الزكاة المفروضة كما نقل القرطبي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين. واحتج أبو حنيفة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه مسلم. قال الإمام ابن العربي المالكي ناصراً قول أبي حنيفة في المسألة: [وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق وقال: إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتاً كان أو غيره وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في عموم: (فيما سقت السماء العشر) ] أحكام القرآن لابن العربي ٢/٧٥٩. وذهب أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير من المزروعات والثمار والخضراوات ولم يشترط النصاب مستدلاً بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(فيما سقت السماء العشر) رواه مسلم، وقول أبي حنيفة في عدم اشتراط النصاب مرجوح والراجح مذهب جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بأنه لا زكاة إلا إذا بلغ المحصول النصاب وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عن قول الجمهور [هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر، وأبو أمامة بن سهل وعمر بن?عبد العزيز وجابر بن زيد، والحسن وعطاء ومكحول والحكم والنخعي ومالك، وأهل?المدينة والثوري والأوزاعي، وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف، ومحمد وسائر أهل?العلم لا نعلم أحداً خالفهم إلا مجاهدا ً وأبا حنيفة ومن تابعه، قالوا: تجب الزكاة?في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) ولأنه?لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ? (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه، وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما?رووه به كما خصصنا قوله:(في سائمة الإبل الزكاة) بقوله: (ليس فيما دون?خمس ذود صدقة) وقوله: (في الرقة ربع العشر) بقوله: (ليس فيما دون خمس?أواق صدقة) ولأنه مال تجب فيه الصدقة , فلم تجب في يسيره كسائر الأموال الزكائية?وإنما لم يعتبر الحول لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه واعتبر الحول في غيره?لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال، والنصاب اعتبر ليبلغ حداً يحتمل المواساة?منه فلهذا اعتبر فيه، يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء، بما قد ذكرنا فيما?تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب كسائر الأموال الزكائية] المغني ٣/٧.
إذا ثبت هذا فإن الواجب إخراج زكاة الزروع والثمار عند الحصاد أو القطاف لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سورة الأنعام/١٤١. ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المحصول نصاباً كما سبق بيانه، والخمسة أوسق المذكورة في الحديث تساوي في وقتنا الحاضر ٦٥٣ كيلو غرام تقريباً، فإذا بلغ المحصول نصاباً فتجب فيه الزكاة ومقدار الواجب يكون ١٠% من الإنتاج إذا كانت المزروعات تسقى بماء المطر أو مياه العيون بدون كلفة يتحملها المزارع أو ٥% إذا كانت المزروعات تسقى بجهد من المزارع كمن يشتري المياه أو نحو ذلك أو ٧. ٥% إذا كانت المزروعات تسقى بالطريقتين السابقتين معاً.
إذا تقرر هذا فإن الأصل في زكاة المزروعات أن تخرج الزكاة من نفس المال، وبما أن السائل قد باع المحصول فإنه يخرج الزكاة من الثمن الذي قبضه والواجب عليه أن يزكي زكاة الزروع والثمار لا زكاة النقد فيخرج عشر الثمن إذا كان محصوله قد سقي بماء المطر وأما إذا سقي بكلفة فالواجب نصف العشر كما سبق. والقول بإخراج النقد بناءً على أنه يجوز إخراج القيمة في الزكاة كما هو مذهب الحنفية والشافعية في وجه والإمام أحمد في رواية عنه في غير زكاة الفطر، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وقد روى عن أحمد مثل قولهم فيما عدا الفطرة وقال أبو داود: سئل أحمد، عن رجل باع ثمرة نخله قال: عشره على الذي باعه، قيل له: فيخرج ثمراً أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمراً وإن شاء أخرج من الثمن وهذا دليل على جواز إخراج القيم ووجهه قول معاذ لأهل اليمن: ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكم , فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة، وقال سعيد: حدثنا سفيان عن عمرو وعن طاوس , قال لما قدم معاذ اليمن قال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين , بالمدينة قال: وحدثنا جرير عن ليث عن عطاء , قال كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم ولأن المقصود دفع الحاجة ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر المالية باختلاف صور الأموال] المغني ٣/٨٧. والقول بإخراج القيمة هو الذي اختاره الإمام البخاري حيث قال في صحيحه [باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وأما قوله " فأدى الزكاة من غيره " فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمراً جائزاً كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق] صحيح البخري مع شرحه فتح الباري ٣/٤٤٢-٤٤٣. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول بإخراج القيمة لمصلحة راجحة حيث قال [وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فههنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٥/٨٢-٨٣.
وخلاصة الأمر أنه يجب على من باع محصوله الزراعي بالنقد أن يؤدي زكاة المزروعات فيه، وليس زكاة النقد، فيجب على هذا المزارع أن يخرج عشر ثمن المحصول الذي باعه إذا كان محصوله بعلياً، أي يروى بالمطر، وأما إذا كان يسقيه بشراء الماء، فإنه يخرج نصف عشر ثمن المحصول الذي باعه.