للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٥٠ - من البدع]

يقول السائل: يجلس جماعة من المصلين بعد صلاة الفجر لعقد مجلس للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويأتون بأذكار كثيرة وفي لحظة من اللحظات يقفون قياماً ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر مجلسهم فيقومون احتراماً وتقديراً وإكباراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعمون فما قولكم في ذلك؟

الجواب: لا شك أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المطلوبة شرعاً وقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) سورة الأحزاب الآية ٥٦ ووردت الأحاديث الكثيرة في الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جمعها العلامة ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) وتحدث عن المسائل المتعلقة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل مفصل مع بيان الأدلة فهو كتاب نافع ومفيد في بابه. وأما ما ذكره السائل من عقد مجلس للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بشكل جماعي ومع ما يصاحب ذلك من المخالفات فهذا من البدع المحدثة ولم يقم عليه دليل صحيح ولا كان عليه عمل السلف الصالح فالمسلم يصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم انفراداً لا جماعة وأما ما يزعمه بعض الدجالين من أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر المجالس المشار إليها في السؤال فهو كلام باطل لا يقوم عليه دليل. بل الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بنص القرآن الكريم قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) سورة الزمر الآية ٣١. وقال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن الآيات ٢٦-٢٧. وقال الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) سورة الأنبياء الآية ٣٤. وقد اتفق العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فعلاً ويدل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا على غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وطلبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه من أبي بكر خليفة المسلمين. وخلاصة الأمر أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم الدنيوية قد انتهت بوفاته باتفاق أهل العلم ومن قال بخلاف ذلك فقوله باطل مردود ومن الثابت أن للنبي صلى الله عليه وسلم حياة برزخية في قبره لا يعلم حقيقيتها إلا الله سبحانه وتعالى وقد ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ٦٢١. ولكن هذه الحياة لا يعلم كنهها إلا الله قال العلامة الألباني: [إن حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ولا يدري كنهها إلا الله سبحانه وتعالى ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية ولا تخضع لقوانينها فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحداً بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وسلم في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا؟ إن الأمر واضح جداً وهو أنهم كلهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم انقطع عن الحياة الدنيا ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ ولكنها حياة لا تشبه حياة الدنيا ولعل مما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا ردَّ الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك لا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام الأخرى بل لكل منها شكل خاص وحكم معين ولا تتشابه إلا في الاسم أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى] التوسل ص٦٥-٦٦. إذا تقرر هذا فإن الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر إلى المجلس المذكور في السؤال إنما هو كذب وافتراء على دين الله ومن الخرافات والخزعبلات التي ابتدعها جهلة المتصوفة ومن الغلو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أشد الناس حباً للنبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما كانوا يفعلون ما يفعله هؤلاء ولم يكن من دأب الصحابة رضي الله عنهم القيام عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً لا في وقت زيارة قبره ولا غيره ولم يكن من عادتهم أن يقصدوا إلى قبره للسلام عليه صلى الله عليه وسلم كلما دخلوا المسجد النبوي ويقفوا عنده من أجل السلام عليه لكن روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء من سفره دخل المسجد النبوي فإذا صلى جاء إلى قبره عليه الصلاة والسلام فسلَّم عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه] فتاوى إسلامية ١/١١٠-١١١. وخلاصة الأمر أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة والأصل في باب العبادات هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد أي دليل على القيام عند الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع.

<<  <  ج: ص:  >  >>