يقول السائل: ما معنى قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ؟
الجواب: إن مفهوم هذه الآية الكريمة من سورة الذاريات يخطيء كثير من المسلمين في فهمه على حقيقته فيظن كثير من الناس أن عبادة الله مقتصرة على الصلاة والصيام والزكاة والحج وبعض الذكار ويعتقدون أنهم بعملهم ذلك أقاموا الإسلام في حياتهم وهذا فهم ناقص لحقيقة العبادة في الإسلام. فأصل العبادة في اللغة: الطاعة والخضوع والتذلل كما قال الجوهري وغيره. أما مفهوم العبادة في الشرع فمفهوم واسع شامل يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته القيمة العبودية:[العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله] العبودية ص ٣٨. من خلال هذا الفهم النير لمفهوم العبادة في الإسلام نعلم خطأ من يقصرون العبادة على بعض الجوانب الروحية من الإسلام فالهدف الذي خلق الإنسان من أجله هو عبادة الله وعبادة الله تشمل الدين كله وتشمل الحياة كلها، فالإنسان المسلم عليه أن يكون عبداً لله طوال حياته طوال ليله ونهاره وطوال الشهور والسنوات وليست العبادة هي تلك التي تؤدى في أوقات محددة لا تستغرق إلا وقتاً يسيراً في حياة الإنسان فالمسلم يستمر في عبادة الله حتى يفارق هذه الدنيا. يقول الله تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) . إن المفهوم الحق للعبادة الذي أشرت إليه ينسجم مع النظرة الواعية في فهم الإسلام فهماً صحيحاً قائماً على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبنياً على فهم السلف الصالح لهذا الدين بعمومه وشموله وأنه يغطي جميع جوانب الحياة وليس قاصراً على جانب واحد منها مع إهمال الجوانب الأخرى. إن من يظن أن مجرد الصلاة والصيام والحج وبعض الذكار هـ الدين كله وهي العبادة كلها لاشك أن مخطئ خطأً شنيعاً في تصوره لحقيقة الدين وفهمه لحقيقة العبادة. لا شك أن الصلاة والصيام والحج من أعظم الشعائر ومن أركان الإسلام ولكنها تبقى جزءاً من هذا البناء العظيم ومن هذا النظام الشامل لجميع نواحي الحياة، حتى الأمور التي يظنها كثير من الناس أنها من الأمور البسيطة وقد يعتبرها بعضهم لا علاقة للدين بها كقضاء الشهوة كما في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة:(وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر. قالوا: نعم. قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم. فانظر أخي المسلم إلى هذه الشهوة الغريزية كيف تكون عبادة لله تعالى إذا نوى المسلم أن يعف نفسه وأن يحصن زوجه فعمله يكون عبادة لله تعالى له الأجر والثواب وهذا الأمر قد يعتبره بعض الناس تافهاً فما بالك بالأمور الأخرى؟ وفي الحقيقة إن شرح مفهوم العبادة في الإسلام لا يسعه هذا المقام الضيق فيحتاج إلى رسائل ومؤلفات ولكن لا بد من التأكيد على أن مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع شامل لكل نواحي الحياة وأن كل عمل يصدر عن المسلم يمكن أن يكون عبادة إذا توفرت فيه بعض الشروط. أولها: أن يكون العمل خالصاً لله تعالى فإذا قصد العامل أن يغني أسرته وينفع الناس فعمله عبادة. ثانيها: أن يكون العمل ضمن حدود الشرع فلا يجوز للمسلم أن يعمل فيما حرم الله فينبغي ان يكون على حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثالثها: أن يكون عمله غير شاغل له عن القيام بما أوجب الله عليه، فإذا تحققت هذه الشروط كان العمل عبادة لله تعالى.