يقول السائل: أحضر لي أحد طلابي في الكلية، قطعة من اللحم -- هكذا تبدو --، وقال إن هذه القطعة تنمو وتكبر إذا وضعت في سائل كالشاي مثلاً، وزعم بعض الناس أن السائل الذي ينتج عنها مفيد في علاج الأمراض المستعصية، وأن هذه القطعة أحضرت من الخارج، وتداولها الناس، فتباع وتشترى، وهنالك إشاعات كثيرة حول فوائدها، فما قولكم في القضية؟
الجواب: إن الإسلام شرع التداوي، والتداوي من باب الأخذ بالأسباب، فقد روي في الحديث قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بالحرام) رواه أبو داود. وجاء في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال:(نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وقد قرر العلماء أن الذي يتولى المداواة لا بد أن يكون من أهل الطب والخبرة وقد ورد في الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قال:(من طبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في رواية أخرى (أيما طبيب تطبب على قوم لا يُعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن، انظر صحيح سنن أبي داود ٣/٨٦٦ - ٨٦٧. فهذا الحديث أصل من أصول الطب الإسلامي وتصريح بأن العلاج يكون بالدواء لا بالتعزيمات السحرية أو الدجل الذي يدعيه بعض الجهلة لأكل أموال الناس بالباطل. وقد جرد الإسلام علم الطب من الخرافات والتعاويذ السحرية في دفع الأمراض ووضع الأسس الأولية التي تصلح لدفع جميع الأمراض البدنية، راجع الطب النبوي ص٢٦١. فالمشروع في حق المسلم إذا مرض وأراد التداوي أن يسأل الأطباء، فهم أدرى الناس بالداء والدواء، ولا يجوز له الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين والسحرة والكهان وأضرابهم. وقد أردت أن أمهد بهذا الكلام قبل الحديث عن قطعة اللحم المزعومة حتى نكون على بينة من أمر التداوي الصحيح. فإذا ثبت هذا أقول بالنسبة لقطعة اللحم المزعومة، إن بعض الصحف نشرت صورة لها وأجرت مقابلات مع بعض الناس الذين ادّعوا أنهم استعملوها، وزعم بعضهم أنه شرب من الشاي الذي تحول إلى خل بعد وضع قطعة اللحم المشار إليها فيه، وأنه كان يعاني من التهاب شديد في المفاصل، فاستخدم ذلك السائل لمرة وادة، فمسح على مفاصله فتلاشى المرض، وزعم آخر أنه كان يعاني من آلام في الظهر، فمسح ظهره بذلك السائل فشفي، وغير ذلك من الادعاءات. وحتى نكون على بينة من أمر قطعة اللحم المزعومة، فقد طلبت من رئيس قسم التصنيع الغذائي، في كلية العلوم والتكنلوجيا - جامعة القدس، إجراء الفحوص المخبرية على قطعة اللحم المزعومة، فقام مشكوراً بإجراء الفحوصات عليها بالتعاون بين مختبري التصنيع الغذائي والعلوم البحرية في الكلية وكانت النتيجة في الخطاب التالي:((الدكتور حسام الدين عفانة المحترم.. تحية طيبة وبعد. رداً على تساؤلات بعض الأخوة حول كتلة اللحم المزعومة ومضار استعمالها أو منافعها، فإنه وبناءً على نتائج الفحوصات المخبرية التي أجريناها على هذه المادة نؤكد ما يلي: - إن هذه الكتلة ليست قطعة من اللحم ولا حيواناً بحرياً كما يعتقد البعض، حيث إن فحصها مجهرياً دل على أنها لا تتكون من أنسجة أو خلايا سواء كانت حيوانية أو نباتية. - إن هذه المادة ما هي إلا إفرازات لكائنات حية دقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولكن يمكن رؤيتها فقط عند فحص هذه الكتلة مجهرياً. - إن اللون اللحمي الذي تأخذه هذه الإفرازات هو ناتج عن مادة الشاي، فعند نقل جزء من هذه الكتلة إلى محلول السكر في الماء، ينتج عنها كتلة من الإفرازات الشفافة. - إن رائحة الخل التي تنبعث عن هذه الكتلة هي دليل على عملية تخمر مادة السكر المضافة إلى محاول الشاي، والتي تقوم بها بعض الكائنات الدقيقة الموجودة داخل هذه الإفرازات كما أن درجة الحامضية العالية للسائل تدل على تكوين أحماض منها حامض الخل، نتيجة عملية التخمر. - من المعروف أن أنواعاً مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة تسبب الأمراض المعدية للإنسان كما أن هناك أنواعاً أخرى تفيد الإنسان، غير أننا في هذه الحالة وبما أننا لا زلنا نجهل كنه هذه المادة، لا يمكننا الإشارة إلى أي فائدة من استعمالها أو اقتنائها، بل نخشى من أن تسبب هذه الكائنات الدقيقة أو السائل الحامضي مضاراً للذين يستعملونها)) أ. هـ. وأخيراً وبناءً على هذا التحليل العلمي، أنصح الأخوة القراء ألا يستعملوا قطعة اللحم المزعومة وألا يصدقوا الشائعات التي تقال حولها، وألا يدفعوا أموالهم لشرائها، وأن يتعالجوا حسب الطرق المعروفة للعلاج من خلال الأطباء وليس من خلال الدجالين والمشعوذين وآكلي أموال الناس بالباطل. *****