يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم يصلي صلاة العيد على مذهب أبي حنيفة فيكبر في الأولى ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام ثم يقرأ، وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر ثلاثاً ثم يكبر للركوع. وإنه لاحظ أن كثيراً من المصلين يخطئون في الصلاة فيركعون عند تكبير الإمام التكبيرة الأولى من التكبيرات الزوائد في الركعة الثانية فما قولكم في ذلك؟
الجواب: اختلف أهل العلم في التكبير في صلاة العيدين اختلافاً كبيراً في عدد التكبيرات الزوائد وفي موضعها وقد ذكر الشوكاني عشرة أقوال في المسألة في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ٣/٣٣٩-٣٤٠. وذكر غيره من العلماء أكثر من ذلك. ولكن يجب أن يعلم أن التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين من السنن المستحبة عند جمهور أهل العلم ولا تبطل الصلاة بتركها عمداً أو سهواً. الروضة الندية ١/٣٨٣. وأرجح أقوال أهل العلم أن السنة في تكبيرات صلاة العيد أن يكبر سبعاً في الأولى قبل القراءة وخمساً في الثانية قبل القراءة قال الحافظ العراقي:[هو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة قال وهو مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد واسحق] نيل الأوطار ٣/٣٣٩. وانظر المجموع ٥/٩-٢٠. المغني ٢/٢٨٢. وقد استدل لهذا القول بالأدلة التالية: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخرى والقراءة بعدهما كلتيهما] رواه أبو داود وابن ماجة. وفي رواية عند أحمد وابن ماجة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) قال الإمام أحمد وأنا أذهب إلى هذا.
وحديث عمرو بن شعيب حديث صحيح، صححه أحمد وعلي بن المديني والبخاري فيما حكاه الترمذي قاله الحافظ في التلخيص الحبير ٢/٨٤. وقال الإمام النووي:[وحديث عمرو بن شعيب هذا حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة] المجموع ٥/١٦. وقال الحافظ العراقي:[إسناده صالح ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال إنه حديث صحيح] نيل الأوطار ٣/٣٣٨. وقال الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن أبي داود ١/٢١٣. وعن عائشة رضي الله عنها:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وقال الشيخ الألباني حديث صحيح. انظر إرواء الغليل ٣/١٠٧. وعن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. سنن الترمذي مع شرحه التحفة ٣/٦٦. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/١٦٦. وعن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الآخرة خمساً قبل القراءة) رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وصححه الألباني بشواهده في صحيح سنن ابن ماجة ١/٢١٥. وعن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً:(التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات) رواه الدارقطني والبزار وهو حديث ضعيف. وعن جابر رضي الله عنه قال:[مضت السنة أن يكبر للصلاة في العيدين سبعاً وخمساً] رواه البيهقي. وغير ذلك من الأحاديث.
ويلاحظ على هذه الأحاديث أن كل حديث منها لم يسلم من النقد ولكن مجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً قال الشيخ الألباني بعد أن فصَّل الكلام على حديث عائشة السابق:[وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح ويؤيده عمل الصحابة به منهم أبو هريرة فيما رواه نافع مولى ابن عمر قال: [شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة] . أخرجه مالك ومن طريقه الفريابي والبيهقي. ثم أخرجاه وكذا ابن أبي شيبة من طرق أخرى عن نافع به. وزاد البيهقي:" وهي السنة " ... ومنهم عبد الله بن عمر مثل حديثه المرفوع المتقدم، أخرجه الطحاوي وسنده صحيح. ومنهم عبد الله بن عباس " أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح وفي الآخرة ستاً بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة ". رواه ابن أبي شيبة عن ابن جريح عن عطاء عنه وهذا سند صحيح على شرط الشيخين ...إلخ] إرواء الغليل ٣/١١٠-١١١. وقد رجح جماعة من أهل العلم أن السنة في التكبير في صلاة العيد سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية منهم الحافظ ابن عبد البر حيث قال:[وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية من حديث عبد الله بن عمر وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرد عنه في وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به] المنهل العذب المورود ٦/٣٣١ وانظر أيضاً فتح المالك ٣/٣٤٦- ٣٤٧ حيث فصَّل الحافظ ابن عبد البر الكلام على روايات الأحاديث الواردة في التكبيرات ثم قال عن مذهب الحنفية:[ليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه قوي ولا ضعيف مثل قول هؤلاء] فتح المالك ٣/٣٤٧. وقال الشوكاني:[وأرجح هذه الأقوال أولها في عدد التكبير وفي محل القراءة] نيل الأوطار ٣/٣٤١.
والأول الذي ذكره أنه يكبر في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة. وقال الحافظ المباركفوري:[فالأولى للعمل هو ما ذهب إليه أهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم لوجهين: الأول أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة وبعضها صالح للاحتجاج والباقية مؤيدة لها وأما ما ذهب إليه أهل الكوفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي موسى الأشعري وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج.
والوجه الثاني أنه قد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد تقدم في كلام الحافظ الحازمي أن أحد الحديثين إذا كان عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد وأقرب إلى الصحة وأصوب بالأخذ. هذا ما عندي والله تعالى أعلم] تحفة الأحوذي ٣/٧١. وممن رجح هذا القول الصنعاني في سبل السلام ٢/٦٨. وصديق حسن خان كما في الروضة الندية ١/٣٨٢. ومما ينبغي التنبيه عليه أن السنة أن يرفع المصلي يديه مع كل تكبيرة من التكبيرات قال العلامة ابن عثيمين: [لأن هذا ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ومثل هذا العمل لا مدخل للاجتهاد فيه لأنه عبادة فهو حركة في عبادة فلا يذهب إليه ذاهب من الصحابة إلا وفيه أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح عن ابن عمر (أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة في كل تكبيرة) بل إنه روي عنه مرفوعاً ومنهم من صححه مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك هنا فعن عمر (أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد) وكذلك عن زيد رواهما الأثرم) الشرح الممتع على زاد المستقنع ٥/١٨٢. ورفع اليدين مع كل تكبيرة هو قول عطاء والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي ومحمد وداود وابن المنذر وغيرهم. ويستحب أن يحمد الله ويسبحه ويكبره ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين. ومن العلماء من قال يستحب أن يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً. ومن العلماء من قال يستحب أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي وارحمني. ومنهم من قال يستحب أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن أحب قال غير ما ذكر إذ لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مؤقت والأمر فيه سعة. انظر غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام ١/٣٤٤ –٣٤٥. ملاحظة: وقع خطأ مطبعي عند ذكر مسأل تكبيرات العيد الزوائد في الجزء الأول من يسألونك حيث وردت العبارة التالية: [ويكون التكبير سبعاً في الأولى بعد القراءة وخمساً في الثانية بعد القراءة] والصواب هو (قبل القراءة) في الموضعين فينبغي أن يصحح.