للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٦ - الستر على الزوجة الزانية]

يقول السائل: إنه تزوج فتاة وهي زوجة صالحة محافظة على صلاتها وأخلاقها وهو يحبها وتحبه وقد اعترفت له بأنها كانت على علاقة مع رجل قبل الزواج وقد زنت وهو في حيرة من أمره هل يطلقها أم يستر عليها أفيدونا؟ الجواب: الواجب على الإنسان ذكراً كان أو أنثى أن لا يتحدث عن ماضيه السيئ وأن يستتر بستر الله تبارك وتعالى ما دام أنه قد تاب ورجع إلى جادة الصواب وهذا الأمر أشد تأكيداً في حق الزوجين فلا ينبغي أن يتحدثا بما ارتكبا من المعاصي قبل الزواج لما في ذلك من ضرر بليغ على حياتهما الزوجية ولا ينبغي لأحد من الزوجين البحث في ماضي الآخر لأن العبرة بما عليه صاحبه الآن فما دام مستقيماً وملتزماً بدين الله فهذا هو المطلوب بغض النظر عما ارتكب من المعاصي في حياته السابقة فقد يكون الإنسان كافراً ثم يسلم فإن الإسلام يجب ما قبله والتوبة الصادقة تجب ما قبلها والواجب عليهما أن يبقيا المعاصي السالفة طي الكتمان ولا يفضحا نفسيهما فالمسلم إذا عصى الله تبارك وتعالى سراً فلا يصح له أن يخبر عن ذلك وقد ورد في الحديث عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله رضي الله عنه يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري ومسلم.

قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا المجاهرين) هم الذين جاهروا بمعاصيهم, وأظهروها , وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم , فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/٤١٢

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين , وفيه ضرب من العناد لهم , وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف , لأن المعاصي تذل أهلها , ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حداً , وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه , فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة , والذي يجاهر يفوته جميع ذلك] فتح الباري ١٠/٥٩٨-٥٩٩.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في ما شئت فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت نفسك قال فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه وتلا عليه هذه الآية {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} فقال رجل من القوم يا نبي الله هذا له خاصة، قال بل للناس كافة) رواه مسلم

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته واقفاً إذ جاءوا بامرأة حبلى فقالت إنها زنت أو بغت فارجمها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم استتري بستر الله عز وجل فرجعت ثم جاءت الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته فقالت ارجمها يا نبي الله فقال استتري بستر الله تبارك وتعالى فرجعت ثم جاءت الثالثة وهو واقف حتى أخذت بلجام بغلته فقالت أنشدك الله ألا رجمتها ... إلخ الحديث) رواه أحمد

وروى مالك في الموطأ بإسناده عن زيد بن أسلم أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال دون هذا فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد ثم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) .

والواجب عليك أيا الزوج أن تستر على زوجتك ما دام أنها قد تابت وتقول بأنها زوجة صالحة محافظة على صلاتها وأخلاقها فاستر عليها حتى يستر الله عليك في اليوم الآخر فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية ١٩. وثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرَّجَ عن مسلم كربة فرَّجَ الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم.

وورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة". رواه أحمد وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم٦٢٨٧

وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم (من علم من أخيه سيئةً فسترها ستره الله عز وجلًّ يوم القيامة) رواه أحمد وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥/٤٤٩-٤٥٠.

وقال الفضيل بن عياض رحمة الله عليه: [المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير] .

ولا بد لزوجتك أن تعلم أنها قد وقعت في ذنب عظيم وجرم فظيع فيلزمها التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت فإن الله يقبل التوبة من عبده إذا عصاه ثم آب ورجع بل إن الله سبحانه وتعالى يبدل سيئاته حسنات فكيف لا نقبل نحن من قبله الله قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الفرقان الآيتان ٦٨-٧٠.

وقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} سورة التحريم الآية ٨.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة الآية ٢٢٢

وخلاصة الأمر فإن الواجب على المسلم إذا وقع في معصية الله أن يستر على نفسه ولا يفضحها فلا يتحدث بمعصيته مع أحد من الناس وأن يتوب إلى الله توبة نصوحاً ومن علم بمعصية أخيه فالواجب أن يستر عليه ولا يفضحه والواجب على السائل أن يستر على زوجته ولا يطلقها ما دام أنها قد تابت وصلح حالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>