يقول السائل: إذا صليت سنة الجمعة البعدية أربع ركعات فهل أصليها اثنتين بتسليمة ثم اثنتين بتسليمة أم أصليها أربعاً متصلة بتسليمة واحدة؟
الجواب: الثابت عند أهل العلم أن الجمعة لها سنة تصلى بعدها ولا سنة معينة تصلى قبلها. وقد ورد في صلاة السنة بعد الجمعة أنها ركعتان وورد أنها أربع ركعات وورد أنها ست ركعات ومن الأحاديث والآثار الواردة في ذلك ما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وصف تطوع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما:(أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) رواه أبو داود والترمذي وقال العراقي إسناده صحيح. وروى الطحاوي بإسناده عن عطاء قال أبو إسحق حدثني غير مرة قال: صليت مع ابن عمر رضي الله عنهما يوم الجمعة فلما سلم قام فصلى ركعتين ثم قال: فصلى أربع ركعات ثم انصرف. فهذا ابن عمر رضي الله عنه قد كان يتطوع بعد الجمعة بركعتين ثم أربع فيحتمل أن يكون فعل ذلك لما قد كان ثبت عنده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وفعله وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل ستاً. وروى عن أبي عبد الرحمن قال: علَّم ابن مسعود رضي الله عنه الناس أن يصلوا بعد الجمعة أربعاً فلما جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه علمهم أن يصلوا ستاً. ثم قال الطحاوي:[فثبت بما ذكرنا أن التطوع الذي لا ينبغي تركه بعد الجمعة ست وهو قول أبو يوسف إلا أنه قال: أحب إليَّ أن يبدأ بالأربع ثم يثني بالركعتين لأنه هو أبعد من أن يكون قد صلى بعد الجمعة مثلها على ما قد نهي عنه.] شرح معاني الآثار ١/٣٣٧. وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث أهل العلم فقد ذكر الترمذي بعد أن روى حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعد الجمعة ركعتين:[والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد] سنن الترمذي مع شرحه التحفة ٣/٤٦. ونقل ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي. وقال الترمذي بعد أن روى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال:(من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً) : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم] ثم ذكر الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي بعد الجمعة أربعاً وذكر أن علياً أمر أن يصلي بعد الجمعة ركعتين ثم أربعاً. انظر المصدر السابق ٣/٤٧-٤٩. ونقل عن علقمة وأبي حنيفة أنه يصلي أربعاً. وقال طائفة أخرى من أهل العلم يصلي بعدها ركعتين ثم أربعاً وروي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف من الحنفية. ومن أهل العلم من خير المصلي بين هذه الثلاثة فإما أن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً فقد ذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي عن الإمام أحمد أنه قال إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء أربعاً وفي رواية وإن شاء ستاً. واستدل ابن قدامة على ذلك بقوله: [ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك كله بدليل ما روي من الأخبار وروي عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين) متفق عليه وفي لفظ لمسلم: (وكان لا يصلي في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته) وهذا يدل على أنه مهما فعل من ذلك كان حسناً. قال أحمد في رواية عبد الله: ولو صلى مع الإمام ثم لم يصل شيئاً حتى صلى العصر كان جائزاً قد فعله عمران بن حصين وقال في رواية أبي داود: يعجبني أن يصلي يعني بعد الجمعة] المغني ٢/٢٦٩-٢٧٠. وقال إسحق بن راهويه إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً وإن صلى في بيته صلى ركعتين ذكره الترمذي في سننه والعراقي في طرح التثريب ٣/٣٨. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال ابن القيم:[قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعاً وإن صلى في بيته صلى ركعتين قلت: وعلى هذا تدل الأحاديث وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً وإذا صلى في بيته صلى ركعتين] زاد المعاد ١/٤٤٠. واختارته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية فقالت:[ويجمع بين ما يدل على مشروعية أربع ركعات وما يدل على مشروعية ركعتين بعد الجمعة أن المصلي يصلي أربعاً إذا صلى في المسجد ويصلي ركعتين إذا صلى في بيته وهناك جمع آخر بين الحديثين وهو أن الراتبة بعد الجمعة أقلها ركعتان وأكثرها أربع سواء فعلها في البيت أو في المسجد] غاية المرام ٧/٢٥٧. وقال الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر تعدد الروايات في سنة الجمعة البعدية:[الاختلاف عن السلف في هذا الباب اختلاف إباحة واستحسان لا اختلاف منع وحظر وكل ذلك حسن إن شاء الله] فتح المالك ٣/٢٤٥. وقال الحافظ أبو زرعة العراقي: [وقال ابن عبد البر: قال أبو حنيفة: يصلي بعد الجمعة أربعاً وقال في موضع آخر ستاً وقال الثوري: إن صليت أربعاً أو ستاً فحسن وقال الحسن بن حي: يصلي أربعاً وقال أحمد ابن حنبل أحب إلي أن يصلي بعد الجمعة ستاً وإن صلى أربعاً فحسن فلا بأس به قال ابن عبد البر وكل هذه الأقاويل مروية عن الصحابة قولاً وعملاً ولا خلاف بين العلماء أن ذلك على الاختيار وقال ابن بطال: قالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين روي عن ابن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقالت طائفة يصليي بعدها ركعتين ثم أربعاً روي عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف إلا ان أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين وقالت طائفة يصلي أربعاً لا يفصل بينهن بسلام روي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي وهو قول أبي حنيفة وإسحق انتهى ... وقال النووي في شرح مسلم نبه بقوله من كان منكم مصلياً على أنها سنة ليست واجبة وذكر الأربع لفضلها وفعله للركعتين في أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان قال ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن بقوله:(إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به انتهى. وقال والدي رحمه الله - أي الحافظ العراقي - في شرح الترمذي: وما ادعاه من أنه معلوم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً فيه نظر فليس ذلك بمعلوم ولا مظنون لأن الذي صح عنه صلاة ركعتين في بيته ولا يلزم من كونه أمر به أن يفعله وكلام ابن عمر المتقدم إنما أراد به رفع فعله بالمدينة وحسب كما تقدم لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادر وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم الحديث عند مسلم فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي وأفضل الصلاة طول القنوت أي القيام فلعلها كانت أطول من أربع خفاف أو متوسطات] طرح التثريب ٣/٣٩-٤٠. وأما بالنسبة للأربع إذا صلاها بعد الجمعة فإنه يصليها بتسليمة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الشوكاني: [وقد اختلف في الأربع الركعات هل تكون متصلة بتسليم في آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم فذهب إلى الأول أهل الرأي وإسحق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبي هريرة. وذهب إلى الثاني الشافعي والجمهور كما قال العراقي واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة النهار مثنى مثنى) أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقد تقدم. والظاهر القول الأول لأن دليله خاص ودليل القول الآخر عام وبناء العام على الخاص واجب] نيل الأوطار ٣/٣١٩-٣٢٠. وروى محمد بن الحسن في كتابه الآثار عن إبراهيم النخعي قال: أربع بعد الظهر وأربع بعد الجمعة لا يفصل بينهن بتسليم] . الاثار ١/٢٨٠.
وخلاصة الأمر أن المصلي بعد الجمعة في سعة من أمره إن شاء صلى ثنتين وإن شاء صلى أربعاً، فإن صلى أربعاً صلاها بتسليم واحد.