للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٧ - احاديث مكذوبة]

يقول السائل: إنه قرأ في إحدى المجلات الإسلامية مقالاً ذكر الكاتب فيه أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش وسائر الملكوت وذكر حديثاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه: (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك ورفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليَّ ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) فما قولكم في ذلك؟

الجواب: إن من أسباب انحراف بعض المسلمين في فهمهم لحقائق الإسلام الغلو. والغلو هو مجاوزة الحد الشرعي بالزيادة. وقد حارب الإسلام الغلو ومجاوزة الحد فقد قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) سورة النساء الآية ١٧١.

وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة التوبة الآيتان ٣٠-٣١.

وصح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: هات القط لي سبع حصيات. فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألبان في السلسلة الصحيحة حديث رقم ١٢٨٣.

وصح في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون) رواه مسلم.

وصح في الحديث عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

إذا تقرر هذا فأقول إن ما ذكره الكاتب المشار إليه في السؤال من أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش من الكذب الممجوج على دين الإسلام والحديث الذي احتج به الكاتب مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الحديث رواه الحاكم وغيره وانتقد الإمام الذهبي رواية الحاكم لهذا الحديث فقال: إنه حديث موضوع أي مكذوب. انظر المستدرك ٣/٥١٧.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال في كتابه " المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم. وقال أبو حاتم ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهو مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة في الحديث ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح لكن هو في الصحيحين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه وإن الصواب أغلب عليه وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه] مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية ١/٤٠٧-٤٠٨.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: [ومثل هذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة ولا أن يحتج به في الدين باتفاق المسلمين فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التي لا يعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار المبتدأ وقصص المتقدمين عند أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه واضطرب عليه اضطراباً يعرف به أنه لم يحفظ ذلك ولا ينقل ذلك ولا ما يشبه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يعتمد على نقلهم وإنما هي من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر وأمثاله في كتب المبتدأ وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والنزاع في ذلك مشهور لكن الذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع لمن قبلنا من نقل ثابت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو بما تواتر عنهم لا بما يروى على هذا الوجه فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع أحد من المسلمين] مظاهر الانحرافات العقدية ١/٤٠٨-٤٠٩.

وقال الشيخ محمد خليل هراس معلقاً على الحديث السابق: [هذا الحديث باطل والله لم يخلق آدم ولا غيره من أجل أحد وإنما خلق الكل لعبادته كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية ٥٦. كما لا يجوز أن يسأل الله بحق أحد من خلقه فلا حق لأحد على الله] المصدر السابق ١/٤١٠.

وقال الشيخ الألباني عن هذا الحديث إنه موضوع أي مكذوب وفصل الكلام عليه ثم قال: [وجملة القول أن هذا الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني كما تقدم النقل عنهما ومما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي صلى الله عليه وسلم عقب خلقه وكان ذلك في الجنة وقبل هبوطه إلى الأرض وقد جاء في حديث إسناده خير من هذا أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند وسماعه في اسمه بالآذان] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١/٤٠-٤١.

والحديث الذي أشار إليه الألباني هو: (نزل آدم بالهند واستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين قال آدم: من محمد؟ قال: آخر ولدك من الأنبياء صلى الله عليه وسلم) ثم حكم الألباني على هذا الحديث بأنه ضعيف ثم قال: [وهذا الحديث مع ضعفه أقوى من الحديث المتقدم بلفظ: (لما اقترف آدم الخطيئة يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمد ولم أخلقه؟ ...) وهو صريح في أن آدم عليه السلام كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض ولذلك سأل جبريل: ومن محمد؟ فهذا من أدلة بطلان ذلك الحديث كما سبق بيانه عند تحقيق الكلام على وضعه فتذكر أو راجع إن شئت. وأنا لا أجيز لنفسي الاحتجاج بمثل هذا الحديث كما هو ظاهر ولكن التحقيق العلمي يسمح برد الحديث الواهي بالحديث الضعيف ما دام ضعفه أقل منه كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف] سلسلة الأحاديث الضعيفة ١/٣٩٦-٣٩٧.

ولعل من سيئات الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث أن صار الناس يكتبون في كثير من اللوحات (الله، محمد) وهذا لا يجوز شرعاً لأنه يوحي بأن الله جل جلاله ومحمداً صلى الله عليه وسلم في منزلة واحدة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ١٣٩.

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بأنه لا تجوز كتابة اسم الجلالة (الله) وكتابة (محمد) اسم الرسول صلى الله عليه وسلم محاذياً له في ورقة أو في لوحة أو على جدار لما يتضمنه هذا العمل من الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ومساواته بالله وهذا وسيلة من وسائل الشرك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) والواجب منع تعليق هذه اللوحات أو الورقات وطمس الكتابات التي على الجدران التي على هذا الشكل حماية للعقيدة وعملاً بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم] .

وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور في السؤال مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز الاحتجاج به.

فالواجب على المسلم أن لا يجعل اسم النبي صلى الله عليه وسلم مقروناً مع لفظ الجلالة في لوحة واحدة أو ورقة واحدة أو على حجر يوضع على البيت ويجب إزالة مثل هذه اللوحات والورقات ونحوها حماية للتوحيد والعقيدة الصحيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>