[٤٦ - الدعاء والقنوت]
يقول السائل: إنه سمع من بعض أهل العلم أن من الواجب على المسلمين أن يكثروا من الدعاء لإخوانهم المسلمين المظلومين المقهورين في ظل الحرب الظالمة التي تشن على المسلمين. فما أثر الدعاء وفائدته؟
الجواب: لا شك أن الدعاء عبادة عظيمة بل ورد في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) رواه أصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه النووي في الأذكار ص٣٣٣. قال الإمام ابن العربي المالكي: [وجه تسمية الدعاء عبادة بين لأن فيه الإقرار بالعجز من العبد والقدرة لله وذلك غاية الذل والخضوع] عارضة الأحوذي ١٢/٩٠.
وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تحض على الدعاء وتبين أن الأنبياء والمرسلين قد دعوا الله سبحانه وتعالى وكذا المؤمنين الصادقين ولا ننسى أن من هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الدعاء كما سأذكر فيما بعد.
أما الآيات القرآنية فمن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر الآية ٦٠. وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) سورة الأعراف الآيتان ٥٥-٥٦.
وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة غافر الآية ٦٥.
وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة الآيتان ١٦-١٧. وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف الآية ٢٨. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة الآية ١٨٦. كما أن القرآن الكريم قد ذكر نماذج من أدعية الأنبياء والمرسلين فمن ذلك قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم الآيات ٣٩-٤١. وعلى لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) سورة البقرة الآيتان ١٢٧-١٢٨.
وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ َفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَاءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآيات ٩-١٥. وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام أيضاً: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة نوح الآية ٢٨. وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) سورة مريم الآية ٤-٦. وقال تعالى على لسان موسى علي السلام: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) سورة طه الآية ٢٥. وقال تعالى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) سورة طه الآية ١١٤ وقال أيضاً: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) سورة الإسراء الآية ٨ وقال أيضاً: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) سورة المؤمنون الآيتان ٩٧-٩٨.
وأما الأحاديث الواردة في الدعاء فكثيرة جداً ولا يتسع المقام لذكرها ولكن أذكر شيئاً منها فيما يتعلق بالدعاء في وقت الكرب وحلول البلاء فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه يوم بدر واستغاث به جل جلاله فكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب النصر فأمده الله بالملائكة فقد ورد في الحديث عن عمر رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فأمده الله بالملائكة] رواه مسلم. وصح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك. فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر) رواه البخاري. وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يوم حنين فقد روى مسلم بإسناده عن إسحق قال: (جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رِجلٌ من جراد – أي سرب أو مجموعة - فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم) . ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى عند نزول الكرب والبلاء ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بإسناده في باب الدعاء عند الكرب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند الكرب يقول: (لا إله الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم) .
وفي رواية أخرى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" رواه الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء فقال: "سبحان الله العظيم"، وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣/٩٥٩. وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب؟!: الله ُ اللهُ ربي لا أشرك به شيئاً) وفي رواية أنها تقال سبع مرات، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ٢٧٥٥. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت بك نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً) رواه أحمد وابن حبان بسند صحيح. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له) رواه أحمد والترمذي. وينبغي أن يعلم أن الدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة قال الإمام الغزالي: [فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهام والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان. وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) سورة النساء الآية ١٠٢ كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب والذي قدر الشر قدر لرفعه سبباً فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته. ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء مخ العبادة) .
والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض. فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى] إحياء علوم الدين. ١/ ٣٣٦- ٣٣٧. وختاماً يجب التذكير ببعض القضايا الهامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام فمن ذلك لا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى وأن نفوض أمرنا لله عز وجل فالأمور كلها بيده يعز من يشاء ويذل من يشاء.
ولا بد للمسلم الصادق أن يطهر إيمانه من الولاء للكافرين وليحذر المسلم من أن يحب ظهور الكافرين على المسلمين أو يتمنى ذلك فإن هذا يطعن في إيمانه. وعلى المسلم الصادق أن يوقن أن الله قد وعد هذه الأمة بالتمكين لدينه ونصر أوليائه قال الله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة المجادلة الآية ٢١.