[٤ - بداية وقت الأضحية ونهايته]
يقول السائل: إنه يعمل في جمعية خيرية وهذه الجمعية الخيرية تتولى ذبح الأضاحي التي يتبرع بها المحسنون وفي هذا العام فرض نظام حظر التجول على منطقتهم حتى خرجت أيام التشريق ولديهم أكثر من مئتي أضحية لم تذبح ولم يتمكنوا من ذبحها لصعوبة الظروف والأحوال فهل يجوز لهم ذبحها بعد انتهاء أيام التشريق؟
الجواب: آخر وقت ذبح الأضحية هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق أي أن وقت الذبح هو يوم العيد وثلاثة أيام بعده وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام وبه قال عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وهو قول الشافعية.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم. وقال الهيثمي: [رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال: (وكل فجاج مكة منحر) ورجاله موثقون] مجمع الزوائد٣/٢٥١.
وقال الحافظ ابن حجر: [أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات] فتح الباري ١٢/١٠٣ وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ٢/٨٣٤
واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر.
وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا: يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق.
وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده) سنن البيهقي ٩/٢٩٦-٢٩٧. هذا هو القول الراجح في المسألة في الظروف والأحوال العادية.
وأما في الظروف والأحوال الاستثنائية كما ذكر في السؤال من فرض نظام حظر التجول وما قد يترتب على الخروج من البيوت خلال فرض نظام حظر التجول من مخاطر شديدة على الناس فإنه يجوز ذبح الأضاحي بعد انتهاء آخر وقت الذبح ومن المعلوم عند العلماء أن الضرورات تبيح المحظورات وفي الحالة المسؤول عنها فقد تتعرض حياة الناس للخطر فيباح لهم الذبح خارج الوقت. وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف الناس إلا بما يطيقون. قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) سورة البقرة الآية ٢٨٦. وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية ٧. ويقول تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) سورة التغابن الآية ١٦.
وغير ذلك من النصوص الشرعية التي تدل على أن التكليف يكون بقدر الوسع وكذلك فإن الحنفية والمالكية يرون أنه إذا فات الإنسان وقت الأضحية ولم يضح فإنها تقضى قال الكاساني: [ومنها أنها تقضى إذا فاتت عن وقتها والكلام فيه في موضعين: أحدهما: في بيان أنها مضمونة بالقضاء في الجملة. والثاني: في بيان ما تقضى به. أما الأول: فلأن وجوبها في الوقت إما لحق العبودية أو لحق شكر النعمة أو لتكفير الخطايا لأن العبادات والقربات إنما تجب لهذه المعاني وهذا لا يوجب الاختصاص بوقت دون وقت فكان الأصل فيها أن تكون واجبة في جميع الأوقات وعلى الدوام بالقدر الممكن إلا أن الأداء في السنة مرة واحدة في وقت مخصوص أقيم مقام الأداء في جميع السنة تيسيراً على العباد فضلاً من الله عز وجل ورحمة كما أقيم صوم شهر في السنة مقام جميع السنة وأقيم خمس صلوات في يوم وليلة مقام الصلاة آناء الليل وأطراف النهار فإذا لم يؤد في الوقت بقي الوجوب في غيره لقيام المعنى الذي له وجبت في الوقت] بدائع الصنائع ٤/٢٠٢.
ولكن الحنفية يرون أن قضاء الأضحية يكون بالتصدق بعين الشاة حية أو بقيمة الشاة. انظر المصدر السابق ٤/٢٠٢. ويرى الحنابلة أن الأضحية المعينة وكذا المنذورة تذبح إن فات وقت الذبح.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاءً وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته] المغني ٩/٤٥٤. وقال مستدلاً لذلك: [ولنا أن الذبح أحد مقصودي الأضحية فلا يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم وذلك أنه لو ذبحها في الأيام ثم خرجت قبل تفريقها فرقها بعد ذلك] المغني ٩/٤٥٤.
وينبغي أن يعلم أن من أهل العلم من قال إن وقت ذبح الأضحية يستمر حتى نهاية شهر ذي الحجة وهذا قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار من التابعين وبه قال ابن حزم الظاهري. المحلى ٦/٣٩-٤١.
واحتجوا بما رواه البيهقي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك) . قال ابن حزم: [وهذا من أحسن المراسيل وأصحها] المحلى ٦/٤٣. وفي رواية أبي حامد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك) رواه أبو داود في المراسيل.
وما رواه البيهقي بإسناده عن يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول: إنْ كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة] .
ثم قال البيهقي: [حديث أبي سلمة وسليمان مرسل، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم] سنن البيهقي ٩/٢٩٧-٢٩٨
وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر رواية يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل. قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون] . قال الحافظ: [وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة] قال أحمد هذا الحديث عجيب فتح الباري ١٢/١٠٥
قال ابن حزم: [الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى، وفعل الخير حسن في كل وقت، قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} فلم يخص تعالى وقتاً من وقت، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة] المحلى ٦/٤٢
ولكن هذا القول ضعيف وما احتجوا به عليه لا يصلح دليلاً قال الشيخ الألباني: [ (الضحايا إلى هلال محرم لمن أراد أن يستأني ذلك)
ضعيف أخرجه البيهقي وكذا أبو داود في المراسيل من طريقين عن أبان بن يزيد: ثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم: حدثني أبو سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف لإرساله ورجاله ثقات] السلسلة الضعيفة ٩/١٠٦. وضعفه الألباني أيضاً في ضعيف الجامع الصغير ص٥٢٦.
وقال الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي معلقاً على رواية الدارقطني بسنده عن أبي سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك) قال أبو الطيب: [قوله: أنه بلغهما. وأخرجه أبو داود في مراسيله (الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك) ذكره الشعراني في البدر المنير وقال الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأضاحي إلى هلال المحرم إذا أراد أن يستأني ذلك أخرجه أبو داود في المراسيل عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن سليمان بن يسار مولى ميمونة وأبي سلمة بن عبد الرحمن انتهى. وقال الحافظ في فتح الباري: أخرج أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري سمعت أبا أمامة بن سهل قال: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة قال أحمد: هذا الحديث عجيب انتهى. قال الحافظ: وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي سلمة وسليمان بن يسار غيرهم وقال به ابن حزم متمسكاً بعدم ورود نص بالتقييد وأخرج ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار قالا: عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال: أي ابن حزم وهذا سند صحيح إليهما لكنه مرسل انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وقيل إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو قول غريب انتهى. قلت: رواية سليمان بن يسار مرسلة لا يحتج بها. وكذا أثر أسعد أبي أمامة بن سهل لا تقوم به الحجة لأنه ليس من قبيل المرفوع بل ولا الموقوف لأن أبا أمامة بن سهل بن حنيف ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لعامين فليس مراسيله كمراسيل الصحابة] التعليق المغني على الدارقطني ٤/٢٧٥-٢٥٨.
إذا تقرر هذا فلا يصح الاعتماد على هذا الحديث ولا على ما قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار ولا على ما قاله ابن حزم.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز ذبح الأضاحي بعد فوات وقتها الشرعي إلا للضرورة الملحة كما في حالة فرض نظام حظر التجول طوال أيام العيد الأربعة.