يقول السائل: كيف نوفق بين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة) وبين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن أول ما يقضى بين الناس في الدماء) ؟
الجواب: أما الحديث الأول المتعلق بالصلاة فقد تقدمت رواياته في إجابة السؤال السابق وأما الحديث الثاني فقد رواه البخاري بإسناده عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي رواية مسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) . ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة في أن أول ما يحاسب عليه الصلاة لأن حديث أبي هريرة متعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى والحديث الآخر متعلق بحقوق العباد أي إن أول حق من حقوق الله تعالى يحاسب عليه العبد هو الصلاة وأول حق من حقوق العباد يحاسب عليه العبد هو الدماء قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) فيه تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث مخالفاً للحديث المشهور في السنن: (أول ما يحاسب به العبد صلاته) لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد والله أعلم بالصواب] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٣١٩. وقال الحافظ ابن حجر: [ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته) الحديث أخرجه أصحاب السنن لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه: (أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في الدماء) ] فتح الباري ١١/٤٨٢. وقال العلامة القاري: [الأظهر أن يقال لأن ذلك من المنهيات وهذا في المأمورات أو الأول في المحاسبة والثاني في الحكم لما أخرج النسائي عن ابن مسعود مرفوعاً: (أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم] المرقاة ٧/٩. وقال العلامة القاري في موضع آخر: [قال الأبهري: وجه الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيمة الدماء) أن الأول من حق الله تعالى والثاني من حقوق العباد أو الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات] المرقاة ٢/٤٢٠. وخلاصة الأمر أن التوفيق بين الحديثين يكون بحمل حديث أولية المحاسبة على الصلاة بأن ذلك متعلق بحقوق الله وأولية القضاء في الدماء بأن ذلك متعلق بحقوق العباد.