يقول السائل: ما هي الأمور التي يجب على المسلم أن يعلمها من أمر دينه؟
الجواب: إن العلماء قسموا العلم الشرعي إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحد هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة وإن كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها فمثلاً لو كان شخص يعمل في الصرافة مثلاً فيجب عليه أن يتعلم أحكام الصرف في الشرعية الإسلامية وهكذا بالنسبة للأمور التي يحتاج لها في عباداته ومعاملاته. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله:[من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين ١/٤٢. وقال الإمام النووي: [ ... فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به، ككيفة الوضوء والصلاة ونحوها وعليه حمل جماعات الحديث المروي في مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:(طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح ... ] المجموع ١/٢٤. والحديث الذي ذكره الإمام النووي وهو:(طلب العلم فريضة على كل مسلم) حديث مختلف فيه فمن العلماء من يرى أنه حديث ضعيف، قال الإمام البيهقي:[وهذا حديث متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيف] وضعفه الإمام أحمد أيضاً كما قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. ويرى بعض أهل الحديث أن الحديث يصلح للاحتجاج لتعدد طرقه كالسيوطي والألباني وعلى كل حال فالمقصود بالعلم في الحديث هو العلم الذي يكون فرض عين فقط وليس مطلق العلم. الثاني: فرض الكفاية وهو ما إذا قام به البعض كفى، وعرّفه الإمام النووي بقوله:[وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والأحايث وعلومهما والأصول والفقه والنحو واللغة والتصريف ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف. وأما ما ليس علماً شرعياً ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضاً ... ] المجموع ١/٢٦. الثالث: النفل: وهو كالتوسع في العلوم الشرعية. ويجب أن يعلم أن طلب العلم الشرعي أفضل من نوافل العبادات، قال الإمام النووي:[فصل في ترجيح الاشتغال بالعلم على الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات القاصرة على فاعلها] ثم ذكر عدداً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى: (ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ومنها ما رواه ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا في المسجد مجلسان مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه فقال: كلا المجلس إلى خير وأما هؤلاء فيدععون الله تعالى وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل هؤلاء أفضل بالتعليم أرسلت ثم قعد معهم) . وقال عطاء:[مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا] . وقال أبو هريرة:[باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع] . وسأل رجل بان المبارك:[يا أبا عبد الرحمن في أي شيء أجعل فضل يويم في تعلم القرآن أو في تعلم العلم؟ فقال: هل تحسن من القرآن ما تقوم به صلاتك؟ قال: نعم. قال: عليك بالعلم] الآداب الشرعية ٢/٣٤. وينبغي أن يعلم أيضاً أنه لا يصح قول من يقول بوجوب ترك الصلاة النافلة أو ترك قراءة القرآن ووجوب الإنصات عندما يبدأ مدرس بإعطاء درس في المسجد احتجاجاً بالحديث السابق:(طلب العلم فريضة على كل مسلم) ولأن طلب العلم فرض والصلاة النافلة وقراءة القرآن مندوبة، فهذا الكلام لا يصح لأن العلم المقصود بالحديث هو ما كان فرض عين فقط كما بينت سابقاً وأما مطلق العلم فليس كذلك. وما قررته هنا لا يتنافى مع ما سبق من أن طلب العلم الشرعي بشكل عام أفضل من نافلة الصلاة وقراءة القرآن. وأما أنه يجب على كل مصلي قطع صلاته أو أنه يجب على كل قارئ للقرآن قطع قراءته والاستماع للدرس فهذا مما لا دليل عليه وليس بصحيح. *****