يقول السائل: هل تصح صلاة الجنازة على من قتل نفسه؟ الجواب: لا شك أن قتل النفس حرام شرعاً بل هو من الكبائر، فقاتل نفسه أشد وزراً من قاتل غيره، يقول سبحانه وتعالى:(وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) سورة الأنعام /١٥١. وجاء في الحديث، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري ومسلم. وظاهر هذا الحديث يدل على كفر المنتحر، لأن الخلود في النار والحرمان من الجنة جزاء الكفار عند أهل السنة والجماعة، ولكن لم يقل بكفر المنتحر أحد من علماء المذاهب الأربعة، لأن الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة غير الشرك لا يخرج عن الإسلام عند أهل السنة والجماعة، وقد صحت الروايات أن العصاة من أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون من النار، الموسوعة الفقهية ٦/٢٩١,٢٩٢. وليس من مذهب أهل السنة والجماعة تكفير أحد من المسلمين بذنب أصابه، قال صاحب العقيدة الطحاوية " ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله " شرح العقيدة الطحاوية /٣٥٥. وكلام الإمام الطحاوي ينطبق على مرتكب الكبيرة ما عدا الشرك، فإن مذهب أهل السنة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة كما أسلفت إذا مات على عقيدة التوحيد، وإن لم يتب من معصيته ويدل على ذلك قول الرسولصلى الله عليه وسلم:(يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ من كان في قَلْبِهِ ذَرَّة مِنْ إيمان) رواه البخاري، فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سماه الله ورسوله مؤمناً. وبعد هذه المقدمة أعود إلى جواب السؤال فأقول: إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية يرون أنه يصلى على قاتل نفسه، لأنه لم يخرج عن الإسلام بل هو فاسق والفسقة يصلى عليهم. ورأى الحنابلة أن إمام المسلمين لا يصلي على من قتل نفسه، ويصلي عليه بقية الناس، قال الخرقي:" ولا يصلي الأمام على الغال ولا على من قتل نفسه " وقال ابن قدامة شارحاً ذلك: الغال هو الذي يكتم الغنيمة أو بعضها ليأخذه لنفسه ويختص به، فهذا لا يصلي عليه الإمام ولا على من قتل نفسه متعمداً، ويصلي عليه سائر الناس، نص عليهما أحمد " المغني ٢/٤١٥. ويدل على ذلك ما رواه مسلم، عن جابر بن سمرة قال:(أُتِيَ النَّبِيصلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) ، والمشاقص سهام عراض مفردها مشقص. وجاء الحديث في رواية أبي داود مفصلاً فعن جابر بن سمرة قال:(مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ جَارُهُ إِلَى النبيصلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، قَالَ: أَنَا رَأَيْتُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، قال: فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ قَال: َ ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَقِصَ مَعَهُ، قَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِذًا لاَ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ) . قال الشيخ الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم، أحكام الجنائز ٨٥. فهذا الحديث يدل على أن النبيصلى الله عليه وسلم لم يصل على ذلك الرجل زجراً لغيره من الناس، ولكن الصحابة صلوا عليه. وبناء على ما سبق فإن قاتل نفسه يصلى عليه صلاة الجنازة. *****