يقول السائل: ما صحة الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة) وما ورد أن الصدقة تطفئ الخطيئة، أفيدونا؟
الجواب: روى أبو داود في كتابه المراسيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع) المراسيل ١/١٢٨، وروى البيهقي بإسناده عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأعدوا للبلاء الدعاء) قال أبو عبد الله تفرد به موسى بن عمير، قال الشيخ – البيهقي- وإنما يعرف هذا المتن عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. سنن البيهقي٣/٣٨٢، وقد تكلم المحدثون على هذا الحديث برواياته المختلفة كلاماً طويلاً فمنهم من ضعفه ومنهم من حسنه، وقد بين العلامة الألباني حال الحديث في أكثر من موضع من كتبه، فقد قال في السلسة الضعيفة حديث رقم ٣٤٩٢: [ (حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء) ضعيف جداً، رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(٣/٦٧/ ٢) ، وأبو الغنائم النرسي في "فوائد الكوفيين"(٢٥/١) ، وأبو نعيم في "الحلية"(٢/١٠٤و ٤/٢٣٧) ، والخطيب في "التاريخ"(٦/ ٣٣٤و١٣/٢) ، والقضاعي (٥٨/١) ، وعنهما ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(٢/٢) من طريق موسى بن عمير عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً. ومن هذا الوجه رواه الطبراني في "الأوسط" أيضاً (١/٨٥/١) من "الجمع بينه وبين الصغير" وقال: "لم يروه عن الحكم إلا موسى". قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي (٣/٦٤) ، ولذلك قال ابن الجوزي:"لا يصح". وله شاهد عن الحسن البصري مرسلاً، وهو الأشبه. أخرجه أبو داود في "المراسيل". وله طرق أخرى تجدها في "المقاصد" للسخاوي. السلسلة الضعيفة ٧/٤٨٧-٤٨٨. وكذلك فإن العلامة الألباني قد ضعف الحديث بروايته التي ذكرتها ثانياً في ضعيف الجامع الصغير حديث رقم ٢٧٢٣ ورقم ٢٧٢٤. ولكن العلامة الألباني حسًّن جملة المداواة في الحديث وهي قوله:(داووا مرضاكم بالصدقة) في صحيح الجامع الصغير حديث رقم ٣٣٥٨، وكذا حسَّنها في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم٧٤٤. وكذلك فإن جملة التداوي بالصدقة قد حسَّنها بعض أهل العلم واستدلوا بها. ذكر الشيخ السفاريني أن معنى حديث المداواة بالصدقة صحيح وأن جماعة من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسن. انظر غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ٢/٢٨٨. وإن قلنا إن الحديث غير صحيح فإن الصدقة تنفع بشكل عام وترد البلاء وتطفئ الخطايا والآثام كما تدل على ذلك نصوص كثيرة، وورد في فتاوى اللجنة الدائمة:[الحديث المذكور غير صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقرباً إلى الله عز وجل، ورجاء أن يشفيه الله بذلك، لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة، وتدفع ميتة السوء] فتاوى اللجنة الدائمة السعودية ٤/٤٤١. ويؤيد ما سبق ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ثم قال: يا أمة محمد ما من أحدٍ أغير من الله أن يزنى عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) رواه البخاري ومسلم. ومما يدل على المداواة بالصدقة ما ورد في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصبح على كل سُلَامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) رواه مسلم. قال الشيخ ابن الحاج المالكي: [وقد دل الحديث على عمومها – أي الصدقة - بقوله عليه الصلاة والسلام:(كل سُلامى من الناس عليه صدقة) ، والسُلامى بضم السين مع فتح الميم والقصر هي أعضاء ابن آدم فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: على كل عضوٍ من أحدكم صدقة فيعطي ظاهر الحديث أنه في كل يوم يحتاج المرء إلى ثلاثمائة وستين صدقة على عدد الأعضاء] المدخل ٤/٢٢٤. وأما ما ورد في الحديث أن الصدقة تطفئ الخطيئة فقد ورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراءٍ يكونون بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ولا يرد عليَّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، ويرد عليَّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصلاة برهان، والصوم جُنَّة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة: إنه لا يربو لحم نبت من سحتٍ إلا كانت النارُ أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي١/١٨٩. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله: أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال ثم تلا:{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه. قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله. قلت بلى يا نبي الله قال فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا. فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم ٤١٣. وورد في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرَّ القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وصححه العلامة الألباني في السلسلة في الصحيحة حديث رقم ٣٤٨٤. وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صدقة السر تطفئ غضب الرب) رواه الطبراني في الصغير، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/٥٣٩. وعن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة) رواه البخاري ومسلم، وقد ورد في فضل الصدقة أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الصدقة المذكورة في الأحاديث تشمل المفروضة والنافلة، قال العلامة محمد العثيمين ["والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" الصدقة مطلقاً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع، وسواء كانت قليلة أو كثيرة. "تطفىء الخطيئة" أي خطيئة بني آدم، وهي المعاصي. "كما يطفئ الماء النار" والماء يطفئ النار بدون تردد، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر المعنوي بالأمر الحسي.] مجموع رسائل العثيمين ٣/٣٥. وخلاصة الأمر أن حديث (داووا مرضاكم بالصدقة) فيه كلام كثير لأهل العلم وفي ثبوته نظر، ومع ذلك فما يدل عليه الحديث صحيح معتبر في الشرع وثابت بأدلة أخرى، وأما ما ورد أن الصدقة تطفئ الخطيئة فهو صحيح ثابت، وفضل الصدقة عظيم ونفعها كبير معلوم من الشرع وثابت في النصوص.