للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧٦ - حق الشفعة]

يقول السائل: حدثت بعض المشكلات عند بيع الأراضي والعقارات بسبب اختلاف الناس في فهم موضع الشفعة أرجو بيان صاحب الحق في الشفعة؟

الجواب: الشفعة عند الفقهاء هي: حق تملك العقار المبيع جبراً عن المشتري بما قام عليه من ثمن وتكاليف.

والشفعة مشروعة وثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وردت فيها أحاديث كثيرة منها:

عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري.

وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم.

وعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جار الدار أحق بالدار من غيره) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وغير ذلك من الأحاديث.

والحمكة من مشروعية الشفعة كما بينها العلامة ابن القيم: [من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ولا يليق به غير ذلك فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه أبقاه على حاله وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ويزول عنه ضرر الشركة ولا يتضرر البائع لأنه يصل إلى حقه من الثمن وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد.. إعلام الموقعين ٢/١٣٩.

وتثبت الشفعة للشريك فمثلاً إذا كان هنالك قطعة أرض أو عمارة يشترك في ملكها شخصان وملكهما مشاع فإذا أراد أحدهما بيع حصته فشريكه أحق بذلك من غيره وهذا مذهب جمهور الفقهاء عدا الحنفية.

وأما السادة الحنفية فعندهم تثبت الشفعة للشريك وللجار الملاصق ولكل من الفريقين أدلته وحججه وردوده على الفريق الآخر، وقد اختار بعض أهل العلم قولاً وسطاً بين هذين القولين السابقين فقرروا أن الشفعة تثبت للشريك وللجار إذا كان شريكاً مع جاره في حقٍ من حقوق الإرتفاق الخاصة كأن يكون طريقهما واحداً، وهذا القول اختاره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد.

وقد استدل لهذا القول بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.

قال ابن القيم: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه أن كان بين الجارين حقٌ مشترك من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة وأن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة) ، إعلام الموقعين ٢/١٤٩.

وقال أيضاً: والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الإشتراك في حقوق الملك شقيق الإشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة على البائع ولا على المشتري فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعة الخلطة في الملك الموجود في الخلطة في حقوقه فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل..) ،

إعلام الموقعين ٢/ ١٥٠ - ١٥١.

وبناءً على ما تقدم فإن الشفعة تثبت للشريك وتثبت للجار إذا كان بينه وبين جاره حق مشترك لهما وفي ذلك تحقيق الحكمة من مشروعية الشفعة وهي إزالة الضرر.

****

<<  <  ج: ص:  >  >>