[٧ - اليمين الغموس]
يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيمن يحلف يميناً أنه معيل لوالديه وهناك أحد من إخوته أو أخواته يساعد في الإنفاق عليهما أو على أحدهما؟ وما الحكم فيمن حلف على التصريح المشفوع بالقسم المرفق وما يترتب على ذلك؟ وما الحكم الشرعي فيمن يرسل أحد الأشخاص للمحكمة ويرسل معه الإقرار المرفق ويصادق القاضي على ذلك؟ ونص الإقرار هو: تصريح مشفوع بالقسم أنا الموقع أدناه/ من سكان هوية رقم أصرح بعد القسم بما يلي:
١. أن الاسم المبين أعلاه هو اسمي الحقيقي والتوقيع أدناه توقيعي.
٢. إنني المعيل والمنفق الوحيد. لا يوجد أحد غيري يقوم بالإنفاق عليها لم يتقدم أحد غيري بتقديم طلب مماثل.
لذا أقدم هذا القسم القانوني للجهات المعنية. تحريراً في حضر أمامي المصرح المذكور أعلاه وأقسم على ما ورد. والمحكمة غير مسؤولة عما ورد بالقسم.
الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليمين على نية المستحلف) رواه مسلم وفي رواية أخرى عند مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمينك على ما يصادقك عليه صاحبك) .
قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (يمينك على ما يصادقك عليه صاحبك) وفي رواية: (اليمين على نية المستحلف) المستحلف بكسر اللام وهذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي , فإذا أدعى رجل على رجل حقاً فحلفه القاضي فحلف وورَّى فنوى غير ما نوى القاضي , انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية , وهذا مجمع عليه , ودليله هذا الحديث والإجماع.] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٢٨٠.
وبناءً على ما تقدم فإن لم يكن الحالف هو المعيل فعلاً لوالديه فهذه اليمين التي حلفها يمين محرمة بل كبيرة من الكبائر والعياذ بالله فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) . رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال الحافظ ابن حجر: [اليمين الغموس.. قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار] فتح الباري ١٤/٣٦٣.
وفي رواية أخرى للحديث السابق قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين؟ قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس) قلت- أي أحد رواة الحديث لعامر الشعبي-: [ما اليمين الغموس؟ ال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذب] حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه ١٢/٣٧٣. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) فأنزل الله تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا..} إلى آخر الآية. فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا. قال: فيَّ أنزلت، كان لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بينتك أو يمينه فقلت: إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) صحيح البخاري مع الفتح ١٤ / ٣٦٧. وينبغي التحذير من أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم. يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة آل عمران الآية ٧٧ ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ليأكل حقوق الناس وهي:
١. لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله.
٢. لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولا لطف.
٣. يعرض الله عنه يوم القيامة فلا ينظر إليه بعين الرحمة.
٤. لا يطهره من الأوزار والذنوب.
٥. يعذبه عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي.
وقد ورد في أحاديث أخرى عقوبات غير ذلك منها ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أُطيعَ الله فيه، أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) رواه البيهقي ١٠/٣٥٠، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٧٠٦، وبلاقع، جمع بلقع وبلقعة، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها، ذكره الزبيدي ونقل عن بعض العلماء، أن معنى الحديث " أي يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من المال، أو يفرق الله شمله ويغيّر ما أولاه من نعمة " تاج العروس ١١/٣٠. وفي رواية أخرى: (إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فجاراً، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا وصلوا أرحامهم، وإن أعجل المعصية، عقوبة البغي والخيانة، واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم، ويذر الديار بلاقع) رواه الطبراني في الأوسط وقال الشيخ الألباني: إنه صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليمين الفاجرة تذهب المال) رواه البزار بسند صحيح، كما قاله ابن حجر الهيتمي، الزواجر ٢/٤٠٤.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً أن يكذب الحالف من أجل أن يحقق غرضاً مادياً أو غيره من الأغراض فإن الكذب من المحرمات التي تهدي إلى الفجور، وبالتالي إلى النار، كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) وإذا ترتب على الكذب أمر آخر فيكون أكثر حرمة، حيث أضيف إلى حرمة الكذب حرمة التزوير والتدليس، ولا يجوز أن يجتمع في المسلم واحدة من هذه الخصال. فيحرم على الشخص أن يحلف اليمين المذكور في النص أو يرسله موقعاً إلى المحكمة إلا إذا كان صادقاً.